رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أيهما الأولى بالاهتمام .. «الصخري» أم الإسراف؟

الخلط في الأولويات من الأمور الشائعة في هذا العصر. فمن المفروض والأقرب إلى المنطق السليم أن نهتم، نحن أبناء الخليج، أولا بالذي له تأثير مباشر في حياتنا ومستقبل أجيالنا. يليه في الأهمية ما هو محتمل وقوعه وليس مؤكدا. فالتصريحات التي تصدر أحيانا من بعض المسؤولين الرسميين في الخليج حول ضرورة دراسة التأثير المتوقع من إنتاج النفوط الصخرية على إنتاج دول الخليج، وإغفال كوننا ننتج ثرواتنا النفطية بإسراف شديد أمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب. مع أن أكثر من مسؤول كبير ومؤسسات علمية متخصصة ذكروا أن إنتاج الصخري لا يهدد نفطنا لا من قريب ولا بعيد، وهو الأقرب إلى الصواب. ولو سلمنا جدلا بأن الصخري سيكون له تأثير ما على نفطنا، فهو لا يقاس بحال من الأحوال بما نحن نمارسه فعلا بهذه الثروة الناضبة من إسراف فاحش واعتماد شبه كلي عليها في ميزانيات دول الخليج. نحن لسنا مجبرين على أن ننتج بأقصى طاقاتنا من مصدر ناضب من أجل جني المزيد من فوائض الأموال والحفاظ على مظاهر مزيفة من رفاه المعيشة الذي قطعا لن يدوم لنا ما دمنا شعوب مستهلكة وغير منتجة. والذي يجد الكثيرون صعوبة في استيعابه هو أن الإنتاج العالمي قد بلغ الذروة، ولا بعد الذروة إلا الهبوط. وبصرف النظر عن المدة التي سنستغرقها قبل أن يبدأ الدخل النفطي بالانخفاض، ليس بفعل نزول الأسعار ولا ارتفاع إنتاج الصخري، بل هبوط مستوى إنتاجنا وارتفاع التكلفة ومضاعفة عدد السكان. فهذه دون شك أمور واردة دون تحديد الزمن. والحل الأمثل، ليس التباكي والخوف من إنتاج المزيد من النفط الصخري أو الاقتصاد في الاستهلاك العالمي، بل الحد من إنتاجنا والعمل على إيجاد مصادر جديدة للدخل عن طريق إنشاء مشاريع إنتاجية يكون العمل فيها محصورا في المواطنين. وكذلك الحد من استقدام العمالة الوافدة بقدر الإمكان. لعلنا - إن شاء الله - نصبح أمة ولو شبه منتجة. ثم بعدها اهتموا بالصخري وما أدراك ما الصخري.
ومهما كانت مقادير احتياطيات النفط الصخري حول العالم، التي قد تبلغ تقريبا 350 مليار برميل، إلا أن إنتاجه غير تقليدي ومكلف. وقد أمكن بدء إنتاج النفط الصخري في أمريكا بعد صعود الأسعار النفطية إلى مستوى مرتفع وإمكانية استخدام عملية التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي اللذين كانا معروفين منذ عشرات السنين. وهذا الحدث الجديد، إنتاج الصخري، هو فقط في أمريكا الشمالية، حيث توافر الكثير من عوامل النجاح، مثل وجود المئات من أجهزة الحفر التي كان أصحابها يبحثون عن العمل ومعدات الضخ والتكسير الهيدروليكي والعمالة المدرَّبة. إضافة إلى تيسير قوانين تلوث البيئة من قِبل الحكومات المحلية والفيدرالية وسهولة حفر الآبار نتيجة للخبرة الطويلة. فقد توصلوا إلى حفر البئر في أقل من عشرة أيام، وهو قريب من ثلث المدة التي يستغرقها حفر بئر خارج أمريكا. ناهيك عن الأموال الكبيرة التي تبحث عن مواطن الاستثمار. وهذه التسهيلات قد لا تتوافر في أي بلد آخر من العالم في وقتنا الحاضر، مما يكاد يضاعف تكلفة الإنتاج من الصخري خارج أمريكا. ولن يكون مجديا اقتصاديا حتى تصل الأسعار إلى مستوى مناسب وفي حدود 140 إلى 150 دولارا للبرميل، على الرغم من وجود محاولات مبدئية في أستراليا والصين وأوروبا. وأكاد أجزم أنها محاولات عملية من أجل تقييم تكلفة الإنتاج عندما تواتي الظروف الاقتصادية، وهو أمر منطقي. ولمن لا يعلم الفرق بين إنتاج آبار الصخري والآبار التقليدية (في منطقة الشرق الأوسط)، نذكر أن معظم آبار الصخري يراوح معدل إنتاجها اليومي بين 100 و150 برميلا، والأغلب قريب من الحد الأدنى. بينما إنتاج آبار التقليدي في الخليج العربي يصل إلى عشرة آلاف برميل في اليوم، والأغلب بين ألفين وخمسة آلاف برميل. وفي حالة الصخري، يتطلب سنويا إضافة مقدار ثلث الإنتاج للحفاظ على المستوى المطلوب، وهو ما يتطلب إبقاء عدد كبير من أجهزة الحفر تعمل على مدار السنة من أجل هذا المطلب. ومعروف أن تكلفة الإنتاج قد تصل في بعض الأحوال إلى 80 دولارا للبرميل. والذين يعولون على التكنولوجيا لتخفيض التكلفة نذكرهم بأن نسبة كبيرة من الإنتاج الحالي هي من مناطق تتميز بوفرة الإنتاج. مما يعني أن هناك احتمالا بأن ترتفع التكلفة مع مرور الوقت وليس العكس. والتقدم التكنولوجي لم يكن في يوم ما حلا لكل معضلة نعاني منها. وحتى بعد السماح لإنتاج النفط الصخري، فإنه لا يُستبعَد أن تقام دعاوى مُكلِفة خلال السنوات القادمة لمقاضاة شركات الإنتاج بسبب تأثير عمليات التكسير على البيئة، خصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن الشركات الأمريكية التي تتعامل اليوم مع إنتاج النفط الصخري تعاني ضآلة الأرباح ونقصا في السيولة. ولن ينقذها من الوضع الحالي إلا ارتفاع الأسعار، وهو أمر وارد. فعندما يرتفع سعر برميل النفط سيتوسع إنتاج الصخري داخل الولايات المتحدة وخارجها. والأجدر بنا في جميع الأحوال أن نقنن إنتاجنا إلى أدنى مستوى ونهتم بخلق جيل خلاَّق ومنتِج، يحب العمل ويحبه العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي