كيف نعزز التنافسية في العالم العربي؟
يقيس "تقرير التنافسية العربية 2007"، الذي أطلقه المنتدى الاقتصادي العالمي أخيرا، أداء الدول العربية من حيث القدرة التنافسية لكل دولة. ويبحث التقرير السبل الكفيلة بوضع المنطقة على الطريق الصحيح للمحافظة على مستويات النمو العالية الحالية من خلال تعزيز حوافز التنافسية وإزالة العقبات من أمام عجلة النمو السريع، وذلك في ضوء فهم التقرير للتنافسية على أنها العوامل الموضوعية والسياسات والمؤسسات التي تجعل النمو ممكناً.
ومن أبرز النتائج التي تمخض عنها التقرير، ثلاث نتائج تستحق التوقف عندها: الأولى، أن العالم العربي مؤلف من اقتصادات شديدة التباين، الأمر الذي يتجلى بشكل صارخ في مستوى دخل الفرد. وعلى سبيل المثال، فإن حصة للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أغنى دولة عربية، وهي قطر، تزيد بواقع 73 ضعفا عنه في أفقر دولة، وهي موريتانيا.
وفضلا عن مستوى الدخل، فإن الاقتصادات العربية تتباين من حيث هيكليتها. ففي حين أن البعض قام بتكديس الثروات من استخراج موارد الطاقة، فإن البعض الآخر يسير على طريق النمو التقليدي المعتمد على الصادرات. ونتيجة لذلك، تواجه الدول تحديات شديدة الاختلاف على صعيد سياساتها الاقتصادية، حيث يتعين على الدول المصدرة للنفط التي تسعى إلى تنويع اقتصادها مواجهة تحد كبير يتمثل في توفير الظروف الملائمة لحفز الابتكار في القطاع الخاص، وهو ما يشير إليه التقرير على أنه أحد أبرز نقاط الضعف. وفي المقابل، يترتب على الدول الأخرى التركيز على الأسس التي يقوم عليها نجاح أي سياسة اقتصادية، مثل تطوير البنية التحتية للمواصلات والاتصالات وتشجيع استخدام التكنولوجيا، أو حتى في الحد الأدنى توفير الاستقرار للبيئة الاقتصادية العامة.
وتتمثل النتيجة الرئيسية الثانية للتقرير في أن الدول التي لا تمتلك ثروات نفطية عموما هي أعلى تنافسية بكثير من جيرانها المصدرة للنفط، وذلك عند مقارنتها باقتصادات ذات مستويات دخل متقارب، وجاءت جميع الدول الخليجية الأربع المصنفة ضمن قائمة أعلى دخل للفرد في أسفل هذه القائمة مقارنة بدول المجموعة الأخرى، حيث تفوق عليها في الأداء عدد من الاقتصادات الآسيوية التي تعد نموذجا في المنطقة، مثل سنغافورة وهونج كونج. وهناك جملة من الأسباب الكامنة وراء ذلك، في مقدمتها أن الابتكار وتطور عمليات التشغيل يكتسبان أهمية أكبر نسبيا لدى الدول الأغنى، وإلا فلن تتمكن هذه الدول من المحافظة على مستوى الأجور المرتفع. من الجهة الأخرى، فإن سجل أداء الدول المصدرة للنفط في هذين المجالين ليس مشجعا كثيرا. يضاف إلى ذلك، أن وفرة الموارد الطبيعية تضمن استمرار تدفق الثروات في المستقبل المنظور، مما يضعف الحوافز لتنفيذ الإصلاحات. وأخيراً، فقد بدأت بعض الدول السعي الجاد وراء الإصلاحات الاقتصادية والسياسية مع بروز الجيل الجديد مع القيادات الشابة، الأمر الذي يجعل الوصول بطيئا إلى النتائج المرجوة.
ويبقى العديد من مجالات السياسة العامة غير مطروق في هذه الدول، التي شهد العديد منها على مدى السنوات القليلة الماضية زيادة في معدلات البطالة بين المواطنين. وعلى الرغم من الثروة المتنامية والجهود الحثيثة لتنويع الاقتصاد والتركيز على سياسات العمل، إلا أننا نجد أن العديد من المواطنين الذين يدخلون سوق العمل حديثا لا يجدون وظائف. وتشمل أسباب هذا التطور النقص في المهارات وعدم تركيز التعليم على المهارات الضرورية للقطاع الخاص، مما يعني أن التعليم على جميع المستويات يحتاج إلى التعزيز والتوجيه بقوة أكبر نحو احتياجات القطاع الخاص. وفي الوقت ذاته، وعلى الرغم من غزارة السيولة المتوافرة، لا يزال الحصول على رأس المال صعبا بالنسبة للشركات الخاصة ورواد الأعمال، كما أن المنافسة لا تزال ضعيفة إلى حد بعيد.
بالنسبة للعديد من الدول، تأتي التنافسية في صدارة جداول أعمالهم وقد زادوا الاستثمارات العامة بهدف تعزيز النمو والتنويع وتطوير الهيكليات المناسبة، بما في ذلك هيئات التنمية الاقتصادية أو مجالس التنافسية أو مراصد الأداء. ولكن وجود تركيز أكبر على المخرجات والأطر الداعمة للقطاع الخاص يمكنه أن يسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي على إجراءات تعزيز النمو.
وفي المجموعتين الأخريين الأقل دخلا، يصبح الأداء ملتبسا أكثر. فالدول التي تركز سياساتها على الإصلاح والنمو الاقتصادي، مثل الأردن وتونس، تقترب نسبيا من الدول الأخرى ضمن مجموعة الدخل نفسها، بينما تتأخر عن هذا الركب دول ثانية، مثل الجزائر وليبيا. وتؤكد هذه الأمثلة أن وفرة الموارد الطبيعية تضعف حوافز الإصلاح، مع أن التصنيف الضعيف الذي سجلته ليبيا يمكن أن يعزى جزئيا إلى العزلة الدولية التي عانتها حتى وقت قريب.
وفي نتيجته الثالثة، يسلط التقرير الضوء على الأهمية الكبرى للتعليم في جميع دول المنطقة. ومع أن التوصيات بهذا الشأن تختلف، إلا أن قطاع الأعمال في جميع الدول تقريبا أشار إلى أن الخريجين يفتقرون إلى المهارات المناسبة، وأن الابتكار يتعثر بسبب الافتقار إلى وجود علماء ومهندسين مؤهلين. والأهم من ذلك، فقد عدت الشركات "افتقار قوة العمل إلى التعليم المناسب" العقبة الرئيسية بين أبرز ثلاث عقبات أمام مزاولة الأعمال في سبع دول من أصل 13 دولة. وسيتطلب تطوير البرامج التعليمية مزيدا من التركيز على جودة التعليم وإعادة النظر كليا في المناهج التعليمية وتوفير تدريب أفضل للمعلمين وبرامج تدريب مهني أكثر فاعلية.
وللاستفادة من الأجواء الملائمة السائدة حاليا من أجل إرساء أسس قوية لنمو مستدام بعيدا عن تقلبات أسعار الطاقة، فإنه لا بد من وجود قيادة وإرادة سياسية قويتين. وفي حال تم استثمار الفرصة الحالية بشكل جيد، فإن من شأن المنطقة أن تسهم في دفع نمو الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب.
* الاقتصادية الأولى في المنتدى الاقتصادي العالمي