رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إلى «التعليم العالي» .. اهتموا بموظفي الجامعات (2)

ناقشت في مقال الأسبوع الماضي وضع موظفي الجامعات وكيف يشعرون بالدونية في البيئات الأكاديمية نتيجة ظنهم أن أعضاء هيئة التدريس يتحكمون في كل موقع يحلو لهم؛ مما أدى إلى تدهور أداء الجامعات الإداري وتسبب في التضحية بالموارد البشرية النفيسة من أعضاء هيئة التدريس والموظفين على حد سواء.
وقد كنت أريد أن أكتفي بمقال واحد ينقل واقع موظفي الجامعات إلى المسؤولين في وزارة التعليم العالي الذين عودونا الاستجابة لكل ما يطرح في الساحة وتقبلهم للنقد بأنواعه؛ وهذه سجية الشخصيات الأكاديمية والقيادات الناضجة التي تصغي للنقد من أجل اتضاح الرؤية والوصول إلى الحقيقة حتى يكون القرار المتخذ أدنى إلى الكمال. فقد ذكرت في مقال الأسبوع الماضي كيف تحركت وزارة التعليم العالي سريعا استجابة لمطالب منسوبيها من أعضاء هيئة التدريس والطلاب إبان تظلمهم قبل عدة سنوات. فقد قدمت الحوافز المعنوية والمادية المجزية لأعضاء هيئة التدريس ووفرت المقاعد في الجامعات السعودية والأجنبية لمن أراد أن يواصل تعليمه العالي من أبنائنا الطلاب. وقد كنت أريد أن أكتفي بمقال واحد يعبر عن وجهة نظري إلا أنه يبدو أنني قد لامست جرحا غائرا؛ فقد أتتني الكثير من الردود بين مؤيد ومعارض ومعاتب، وهنا أراني مضطرا أن أكمل فكرتي وأقدم خطوطا عريضة للتصحيح وهي سجيتنا نحن الكتاب عندما نثير قضية على السطح يتعين علينا أن نقترح لها الحلول؛ لذا سأذيّل مقالي هذا ببعض التوصيات والآليات التي أراها مناسبة لتصحيح أوضاع موظفي الجامعات نأمل من التعليم العالي دراستها وتهذيبها وتكييفها حسب حالة كل جامعة.
أول وأهم إجراء أراه من وجهة نظري إعادة هيكلة العمادة المساندة والإدارات الفرعية بالجامعات التي تهورت كثير من الجامعات وحولتها من إدارات إلى عمادات كعمادة القبول والتسجيل، وعمادة أعضاء هيئة التدريس والموظفين، وعمادة المكتبات، وعمادة شؤون الطلاب، فمهام هذه العمادات مهام إدارية بحتة؛ لذا أرى إعادة هيكلتها وتوصيف وظائفها بحيث لا تكون حكرا على أعضاء هيئة التدريس فمهامها الرئيسة والتفصيلية تناسب الموظفين من النواحي التشغيلية حتى المواقع القيادية ولا علاقة لأعضاء هيئة التدريس بها لا من قريب ولا من بعيد، بل أرى مساهمتهم فيها قد أخلّت بأدائها وأفقدتها توازنها.
لقد لاحظنا تألق الموظفين الإداريين في المواقع القيادية الإدارية المشار إليها سابقا وإخفاق أعضاء هيئة التدريس الذين تربعوا على قمة الهرم في هذه الإدارات بعد أن تحولت إلى عمادات؛ وهذا شيء طبيعي لأنهم (الموظفون) يمارسون العمل الإداري البحت منذ تعيينهم، بل هو صلب عملهم بينما عضو هيئة التدريس أُعدّ وابتعث من أجل أن يكون أستاذا وباحثا وعالما فمن الحماقة صرف الملايين من أجل تهيئة أعضاء هيئة تدريس في الداخل والخارج وبعد حصولهم على الدكتوراه يوجهون لأعمال إدارية بعيدة عن خبرتهم ومؤهلاتهم ولما أُعدّوا من أجله. لذا أرى إعادة هيكلة العمادات ذات الطابع الإداري وأهمها وفي مقدمتها عمادة أعضاء هيئة التدريس والموظفين وعمادة القبول والتسجيل وعمادة المكتبات وكذلك شؤون الطلاب بحيث لا تحمل هذه الإدارات مسمى عمادة حتى لا تكون حكرا على أعضاء هيئة التدريس، ولنطلق العنان للموظفين ونمكنهم من إدارة وقيادة وتشغيل هذه المواقع بعد تدريبهم، وأنا على يقين بتألقهم وإبداعهم.
الإجراء الثاني إعادة الطيور المهاجرة إلى وكناتها فقد تم تجريد الكليات والأقسام العلمية في بعض الجامعات من أعضاء هيئة التدريس حتى أننا لم نجد من يقوم بتدريس المواد الأساسية نتيجة انشغال أعضاء هيئة التدريس بأعمال إدارية خارج كلياتهم مما تسبب في إرباك العملية التعليمية في الكليات والأقسام العلمية مما اضطرنا إلى إسناد تدريس المواد إلى غير المتخصصين، بل إلى غير المؤهلين. وأريد أن أقف هنا وقفتين الأولى لزملائي أعضاء هيئة التدريس الذين آثروا العمل الإداري في الجامعات على حساب العمل الأكاديمي، وأقول لهم على رسلكم فأنتم المتضررون في نهاية المطاف، فكيف تتنكرون لأعمالكم الحقيقية التي أمضيتم فيها زهرة شبابكم وتزجون بأنفسكم في أعمال إدارية لا تعرفون خباياها ولا تتقنون فنونها، والوقفة الثانية لمديري الجامعات ونقول لهم أعيدوا أعضاء هيئة التدريس إلى كلياتهم وأعطوا القوس باريها.
نعود إلى موضوع الموظفين فنقول بعد تحويل العمادات المساندة إلى إدارات لا ينبغي تمكين الموظفين من إدارتها وتشغيلها قبل أن يتم تأهيلهم وتدريبهم لأنهم فقدوا الكثير من المهارات نتيجة تهميشهم وبعدهم عن ممارسة أعمالهم الحقيقية بعد موجة التدمير شبه المتعمد للموارد البشرية في الجامعات السعودية خلال السنوات الماضية؛ لذا ينبغي اختيار الموظفين الأكفاء لتولي هذه المواقع بعناية ثم إخضاعهم للتدريب الحقيقي وليس التدريب من أجل الترفيه.
الإجراء الآخر مساواة الموظفين مع أعضاء هيئة التدريس في قضية الحضور والانصراف. فتوثيق حضور الموظفين وانصرافهم يوميا بالطريقة التقليدية عن طريق التوقيع أو عن طريق البصمة لا يليق أبداً بموظفي الجامعات. البعض يظن أن تحويل آلية إثبات الحضور والانصراف من التوقيع إلى البصمة يعد إنجازا إداريا وتطورا تنظيميا ونحن نقول له إن هذا هو التخلف بعينه. الإنجاز هنا يتمثل في إلغاء هذه الطريقة البوليسية وإحلالها بالرقابة الذاتية فسواء تم إثبات حضور الموظف بالتوقيع أو بالصمة فكلتاهما أسلوب تقليدي لا يليق بالفكر الإداري الحديث. وهناك آليات تتبعها بعض المنظمات للتخلص من هذا الأسلوب المقيت منها أن نتوقع من الموظف السلوك الحسن كما نحن نتوقعه بالفعل من عضو هيئة التدريس وإن كان هناك انحراف فيمكن رصده ومعالجته. وإن أرادت الجامعات التخلص من الطريقة التقليدية في إثبات الحضور والانصراف فعليها أن تبدأ تدريجيا خلال مدة طويلة قد تصل إلى خمس سنوات لأن هناك قيما وأعراف وعادات قد ترسخت في البيئة التنظيمية للجامعات وتحتاج إلى فترة طولية للتخلص منها.
هذه بعض الآليات التي أراها لتحسين بيئة عمل موظفي الجامعات إلى الأفضل، وأنا متأكد أن وزارة التعليم العالي قادرة على إدارة هذا الموضوع بكل كفاءة من أجل دمج فئات البيئة التنظيمية في الجامعات مع بعضها في توازن منضبط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي