رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تحذير: طرح الشركات المالية

أتى طرح البنك الأهلي ليكمل المنظومة المصرفية في سوق المال، ولعل الاستمرار التدريجي في طرح حصة الحكومة في المصارف التجارية طريق معبد ينتظر فقط مزيدا من إرساء دعائم الحوكمة كي تكون تجربتنا في تخصيص القطاع أفضل من الماضي. التجربة الماضية الخاصة شهدت تعثر البنك الأهلي وبنك القاهرة وآخرين. بعد هذا الطرح تقف الصناعة المالية على مرحلة جديدة، من معالم المرحلة الجديدة أن القطاع المالي بدا في التخصص والتعمق، فهناك شركات تمويل عقارية وهناك شركات تمويل استهلاكية وشركات تأمين كثيرة، وأخيرا هناك شركات مصرفية استثمارية بعض منها مملوك للمصارف وفي فصل شكلي عن المصارف التجارية المالكة وبعض منها مستقل (بعضها يعود لشركات عالمية وبعضها للقطاع الخاص الوطني). عادة ما تقع الأخطاء وتضيع النظرة الفاحصة للمخاطر أثناء نشوة النجاح والتزاحم والحماس للتخصيص دون إرساء دعائم الحوكمة، ولذلك علينا الحذر المضاعف من طرح الشركات الخاصة في قطاع غير مجرب وعالي المخاطر مثل قطاع الشركات (المصرفية) الاستثمارية.
هناك رغبة وتوجه لدى الكثير من هذه الشركات في الطرح ليس رغبة في زيادة رأس المال بغرض التوسع في الأعمال ولكن بغرض التخارج واستغلال سوق الأسهم لنقل وتحويل المخاطر من الملاك والإدارة إلى سوق غالبها مضاربي وغير قادر على تقييم أعمال هذه الشركات. طرح هذه الشركات يحمل مخاطر أعلى من شركات التأمين. وقعت السلطات المالية في خطأ كبير حين طرحت شركات التامين قبل أن يستقر القطاع على درجة عالية من الممارسة الناجحة المستدامة؛ ولذلك تجد الكثير منها يعاني حتى الآن وبعد سنوات من الطرح وأحيانا طرح ثانوي. أثبتت تجربة التأمين أن المستفيد هم المؤسسون والإدارات على حساب من اشترى أسهم هذه الشركات، وكذلك أضرت هذه الأطروحات بمصداقية السوق المالية والجهات الرقابية وما زالت تبعاتها معنا حتى الآن وستستمر لأن الخطأ كان كبيرا.
الشركات المالية الاستثمارية هي الثمرة العالية في القطاع المالي ولذلك فإن قدرتها على تحقيق ربحية متواصلة أصعب حتى من قطاع التأمين وأعلى مخاطر. الكثير من هذه الشركات يقوم على نموذج تجاري يحاول الالتفاف على المساهمات العقارية سابقا لأسباب تنظيمية وليس لأسباب مصرفية استثمارية، كما أن أغلبها لم يحقق نموا معتبرا في إدارة الأموال، وأخيرا ليس هناك من حركة استثمارية في الاستحواذ والدمج والاستثمارات وغيرها من الأنشطة المالية التي تعود بربحية عالية تعوض عن قلة هذه الصفقات وبالتالي تعاني هذه الشركات من أعمال غير متوازنة وغير مربحة فعليا، إذ لا يخفى على أحد تعثر الكثير منها. (راجع الاقتصادية: أسباب تعثر المصارف الاستثمارية في المملكة، عدد 6427 وتاريخ 17/ 05/ 2011). يكمن الخطر في الانحراف بالسماح لواحدة بالطرح ثم الاستمرار تحت مطلب سطحي للعدالة كما حدث مع التامين أيضا. لذلك علينا الحذر من المخاطرة العامة (systemic). لذلك فإن طرح أي منها سيأتي بالضغط على جهات رقابية ليس معروفا عنها الحزم والنظرة البعيدة أو تقدير المخاطر.

ما الحل؟
الأحرى ألا نخضع لنص النظام، بل لروح النظام للتأكد من حماية الناس من ناحية وسلامة القطاع المالي بجميع تفرعاته من ناحية أخرى. مصالح الملاك والإدارات معروفة من خلال الطرح ولكن هناك ما هو أهم. الأحرى أن تبدأ هيئة السوق المالية بالتنسيق مع مؤسسة النقد في مزيد من استقلال المصارف الاستثمارية التي تملكها المصارف التجارية على مدى سنوات قليلة ثم تطرح تدريجيا بعد مراجعة مستفيضة ومستقلة لسلامة القطاع، لعل هذه المرحلة تصل إلى عام 2020، وبعدها علينا مراجعة شركات التمويل العقارية والاستهلاكية، حيث إن نماذجها المالية أكثر وضوحا واستمرارية أعمالها أقرب إلى حاجة الناس الفعلية. لا أرى فرصة طرح يمكن الدفاع عنها للشركات المالية الاستثمارية الخاصة لسنوات طويلة. كما أن تجارب الكثير من الدول تثبت أن هذا النوع من النشاط المالي يتناسب مع ملكية خاصة متخصصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي