إلى التعليم العالي .. اهتموا بموظفي الجامعات
تنقسم الموارد البشرية في الجامعات السعودية إلى ثلاث فئات أساسية: أعضاء هيئة التدريس والطلاب والموظفين، إضافة إلى فئات أخرى كمنسوبي مؤسسات الخدمات المساندة ذات العقود مع الجامعات. وقد تمت مناقشة أوضاع أعضاء هيئة التدريس والطلاب وإلقاء الضوء على ظروفهم والمعوقات التي تواجههم عند أداء أعمالهم. وقد قامت وزارة التعليم العالي بتكييف ظروف مناسبة ساعدت في التغلب على غالبية المشاكل التي تواجه هاتين الفئتين. فعلى سبيل المثال تم إصدار نظام جيد للحوافز، وهناك علاوات استثنائية منحت لأعضاء هيئة التدريس وتم تسهيل إجراءات الابتعاث وحضور المؤتمرات والإعارات والمكافآت وغيرها. وقد تم الشيء نفسه مع الطلاب فتم تم تسهيل إجراءات قبولهم في الجامعات، فبعد أن كان أبناؤنا يجوبون أطوال العالم وعرضه للحصول على مؤهلات على حسابهم الخاص من جامعات وبيئات مشبوهة تم استيعاب جميع خريجي الثانوية العامة، وكل طالب يحمل الثانوية العامة يمكنه أن يلتحق بالجامعة أو ببرنامج الابتعاث الخارجي. ورغم أنني أتحفظ على قبول جميع طلاب الثانوية العامة في الجامعات وعلى برنامج الابتعاث غير واضح الأهداف، إلا أن هذا لا يعني أن التعليم العالي لم يقدم كل ما لديه لأبنائنا.
وفي هذا المقال أريد أن أسلط الضوء على الشريحة الحاضرة الغائبة والفئة المظلومة وهم الموظفون، نعرض تطلعاتهم ومعاناتهم من أجل كسب ولائهم التنظيمي ورفع معنوياتهم والمحافظة على الأكفاء منهم.
رغم أن أعضاء هيئة التدريس والموظفين في الجامعات يعملون تحت مظلة مؤسسة واحدة إلا أن أوضاعهم الوظيفية تختلف اختلافا جذريا. فالموظف يخضع لسلم رواتب مغاير تماما لسلم رواتب أعضاء هيئة التدريس، كما يصل الاختلاف نظام الترقيات والحوافز والتدريب وإثبات الحضور والانصراف. فعلى سبيل المثال لا يطالب عضو هيئة التدريس بإثبات حضوره وتوثيق وجوده، فيتوقع منه أن يحضر محاضراته وله الحرية في بعض الجامعات في التنسيق مع طلابه من أجل دمج بعض المحاضرات أو تغيير موعدها، بل ويصل الأمر إلى تغيير مكانها حسب ظروف الطلاب والأستاذ. أما الموظفون فيتعين عليهم بل يجب عليهم أن يثبتوا حضورهم اليومي من الساعة الثامنة صباحا حتى الثانية والربع بعد الظهر، وتتم مراقبة حضورهم وإثبات وجودهم بالتوقيع على دفتر الحضور والانصراف سابقا، وعن طريق البصمة الإلكترونية حاليا. مثل هذا التباين بين شريحتين تحت مظلة مؤسسة واحدة ولد لدى الموظفين في الجامعات الإحساس بالدونية، فكيف تتم مراقبة حضور موظف بالمرتبة العاشرة أو الحادية عشرة قارب عمره الخمسين عاما وخبرته الوظيفية زادت عن العشرين سنة ولا يطبق الإجراء ذاته على أعضاء هيئة التدريس، ومنهم معيدون بعضهم لم يتجاوز الثالثة والعشرين عاما وخبرته لم تتجاوز أسبوعين. وقد يقبل مثل هذا التصرف في الأمانات والإمارات والشؤون الاجتماعية، لأن هذه المؤسسات تضم فئة واحدة، فمن المنطق أن يطبق عليها نظام واحد.
كما أن لأعضاء هيئة التدريس الحق في حضور المؤتمرات والالتحاق بدورات داخلية وخارجية وبإجراءات مرنة، إلا أن هذا محرم على الموظفين. فالموظف في الجامعة يحضر دورة لعدة أيام في معهد الإدارة العامة في الرياض أو فروعه في المناطق الأخرى. كما يحصل غالبية أعضاء هيئة التدريس على بدلات متنوعة مثل بدل الندرة وبدل جامعة ناشئة وبدل حاسب آلي، إلا أن هذا لا يمنح للموظفين.
ولم يقف الموضوع عند هذا الحد بل يرى بعض الموظفين أنه تم السطو على طبيعة عملهم وسلخ المواقع الإدارية الجوهرية والفرعية وتم تسليمها لأعضاء هيئة التدريس عن طريق تحويل بعض الإدارات التي طبيعة عملها الأصلي عمل إداري ومالي يتم تحويلها إلى عمادات. فعلى سبيل المثال يرى بعض الموظفين أن تغيير مسمى الإدارة العامة لشؤون أعضاء هيئة التدريس والموظفين إلى عمادة إجحافا في حقهم، لأن هذا الإجراء حرمهم من الترقي في الجامعة وممارسة العمل القيادي الذي أصبح حكرا على أعضاء هيئة التدريس دون غيرهم، وبهذا حكم عليهم بأن يبقوا موظفين مسخرين تنفيذيين لا يتخذون قرارا ولا يوجهون أفردا. وهذا الأمر ليس مقتصرا على الإدارة العامة لشؤون أعضاء هيئة التدريس والموظفين، بل طال ذلك الإجراء المكتبات والقبول والتسجيل وشؤون الطلاب، واستطال حتى وصل إلى الإدارة الهامشية كالعلاقات العامة والأمن والسلامة وغيرها.
يرى الموظفون أن مهام القبول والتسجيل، وشؤون الطلاب، وشؤون أعضاء هيئة التدريس والموظفين، والعلاقات العامة والأمن والسلامة وغيرها، يرون أن مهام هذه العمادات مهام إدارية صرفة لا يفترض البتة أن تكون حكرا على أعضاء هيئة التدريس. تخيل معي أستاذا في الكيمياء أو التربية ترك مهمته الأصلية من تدريس وبحث وتحكيم وأدخل نفسه برغبته (ولا تقل أنه أُرغم) في عمل لا يفقه أبجدياته، وتم تهميش موظف إداري أمضى ثمرة شبابه في العلاقات العامة على سبيل المثال، وصقل خبرته وتشرب معرفته وعرف دهاليزه.
هذا التباين بين الفئات الرئيسية للموارد البشرية في الجامعات ولد عدة مشكلات، منها إحساس الموظفين بالدونية، فأصبح الموظف في الجامعة يرى أنه ليس له اعتبار مهما كانت مرتبته، وهذا بدوره أدى إلى التنافر وعدم الألفة. ورغم أن الموضوع لم يصل بعد إلى حد الصراع إلى أن التعاون مفقود، ويريد غالبية الموظفين أن يفشلوا مساعي أعضاء هيئة التدريس ويستبشروا بإخفاقهم ويسعون في النيل منهم، خصوصا أولئك الذين سلبوا منهم مواقعهم وأعمالهم. كما أن هذه البيئة جعلتهم يشعرون بالظلم وينظرون إلى أنفسهم كالمسخرين ينفذون أوامر ويتبعون إجراءات، ويحرم عليهم اتخاذ القرارات.
هذه شرارة أردت منها إشعال همة وزارة التعليم العالي للتدخل لحل مشاكل الموظفين في الجامعات كما فعلت ذلك من قبل مع أعضاء هيئة التدريس ومع الطلاب، كي تصبح جامعاتنا بيئات أكاديمية متجانسة متحابة متآلفة، وأنا لا أتكلم من فراغ بل من عمق الحدث.