أوبك وتحدي الصيف: زيادة الإمدادات أم تقليص الإنتاج؟

أوبك وتحدي الصيف: زيادة الإمدادات أم تقليص الإنتاج؟

على عكس المفهوم التقليدي لتراجع سعر برميل النفط خلال الربع الثاني من كل عام إثر انتهاء فصل الشتاء وقبل بدء موسم بناء المخزونات في الربع الثالث من كل عام، فإن الإشارات والتحذيرات التي انطلقت حتى الآن تدعو منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) إلى القيام بخطوة معاكسة لما تقوم به عادة من ضبط الإنتاج، إذ الدعوة هذه المرة إلى زيادة الإمدادات من قبلها خوفا من تكرار تجربة صيف العام الماضي عندما قارب سعر البرميل 80 دولارا.
فنسبة لعوامل عديدة تراوح بين التقلبات الحادة في الأسعار إلى النمو في الطلب إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في بعض البلدان المنتجة، الأمر الذي يخشى معه حدوث انقطاع في الإمدادات، هذا إلى جانب انتهاء موسم صيانة المصافي الأمريكية واتجاهها إلى مضاعفة إنتاجها لبناء مخزونات كافية من المنتجات المكررة خاصة البنزين قبل بدء موسم قيادة السيارات الذي ينطلق رسميا في حزيران (يونيو) المقبل، وهي خطوة تبدو مطلوبة وبشدة بسبب عاملين إضافيين أولهما أن المخزونات التقليدية للمنتجات المكررة، خاصة البنزين ظلت تشهد تراجعا بصورة منتظمة خلال فترة الأسابيع العشرة الماضية وتجاوزت المعدل الذي كانت عليه لمتوسط السنوات الخمس السابقة، وثانيهما أن الإيثانول سيدخل مخلوطا مع البنزين، وهو ما يعني تأثيرا بنحو 2 في المائة يحتاج إلى إضافتها إلى حجم المخزون الذي ينبغي توفيره قبل بدء الموسم، ويعني هذا في التحليل النهائي المزيد من الطلب على النفط الخام حتى يمكن تكريره وتلبية احتياجات السوق، والمصافي بعد الصيانة تبدو أكثر استعدادا للعمل بطاقة أكبر مما كانت عليه من قبل.
التقارير الصادرة أخيرا عن التوقعات الخاصة بوضع العرض والطلب أشارت في اثنين منها، وهما المركز الدولي لدراسات الطاقة الذي يوجد مقره الرئيس في لندن، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية أشارا إلى أن وضع السوق يتطلب أن تقوم أوبك بمراجعة النظر في استراتيجيتها القاضية بدعم الأسعار من خلال خفض الإنتاج.
ويقول المركز إنه مع أن قرارات مؤتمر الدوحة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وأبوجا بعد ذلك بشهرين، دعت إلى خفض يصل إلى ثلاثة ملايين برميل، إلا أن ما تم تنفيذه فعلا يصل إلى نصف ذلك الحجم على أحسن الفروض، وقد نجحت تلك الخطوة بدليل أنها أدت إلى وقف التدهور في سعر البرميل بعد أن وصل إلى نحو 50 دولارا في كانون الثاني (يناير) الماضي، وينصح المركز المنظمة أن تتبنى خطا معاكسا بضخ المزيد من الإمدادات لتجنب حدوث قفزة سعرية لكن تكون في صالح المنتجين. فالقضية لم تعد وقف أي تدهور محتمل لسعر البرميل ، وإنما منع حدوث تصاعد غير منضبط للأسعار يؤدي في نهاية الأمر إلى تفاقم المتاعب الاقتصادية من رفع لمعدلات الفائدة وتسريع لوتيرة التضخم بما يؤثر على حجم الطلب على النفط.
ويضيف التقرير أن على المنظمة مراجعة تقديراتها لحجم الإمدادات المطلوبة منها التي بنيت على نظرة أكثر تفاؤلا لحجم الإمدادات المتوقعة من خارج أوبك. ويرى المركز ضرورة أن ترفع أوبك حجم الإمدادات المنتظر منها بنحو 400 ألف برميل يوميا في المتوسط خلال هذا العام على الأقل لتجنب حدوث فجوة تؤدي إلى تفاقم موضوع السعر بصورة غير مرغوبة من أحد، خاصة والأسعار في معدل يبدو مرتفعا بعد أن حققت زيادة 12 في المائة خلال فترة عام، وأنها في منتصف الستينيات كسعر للبرميل في الفترة الحالية، الأمر الذي يجعل مسيرتها ذات تقلبات ليست مريحة بالنسبة للمستهلكين ولا للمنتجين.
إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في تقريرها الشهري الصادر في العاشر من نيسان (أبريل) الحالي اتخذت موقفا مساندا لهذا الرأي، رغم أنها أشارت إلى أنها لا تزال تحافظ على حجم توقعاتها بالنسبة للطلب على النفط خلال هذا العام والعام المقبل، وأنه سيكون في حدود مليون ونصف المليون برميل يوميا بزيادة 100 ألف برميل يوميا هذا العام ومثلها العام المقبل، بما يجعل الطلب في حدود 1.6 مليون برميل يوميا. وتعود هذه الزيادة بصورة رئيسية إلى استمرار الطلب من قبل الاقتصادين الأمريكي والصيني.
ويضيف التقرير أن الإمدادات المتوقعة من خارج أوبك بعد حذف مشاركة أنجولا ستكون في 700 ألف برميل هذا العام مقابل مليونين في العام الماضي وترتفع إلى 800 ألف العام المقبل. ومع أن كميات إضافية من النفط ستأتي من روسيا، سخالين، أذربيجان، السودان، وغيرها، إلا أن تراجع الإنتاج في بعض الحقول مثل بحر الشمال، المكسيك وغيرها سيقلل من حجم الإضافة الجديدة التي ستأتي من المنتجين خارج أوبك، ولهذا ستتجه السوق إلى شيء من الشح رغم أن المنظمة لم تنجح إلا في خفض نصف ما وعدت به، الأمر الذي يعني ضرورة أن تقوم أوبك بعكس سياستها تلك والسماح بضخ المزيد من الإمدادات خاصة وهناك طاقة إضافية فائضة ترى إدارة معلومات الطاقة أنها ستوفر هامشا تأمينيا للسوق بأكثر مما توفر خلال السنوات الخمس الماضية.
الوكالة الدولية للطاقة وفي تقريرها الدوري المنشور في الثاني عشر من هذا الشهر قدرت أن حجم الطلب على النفط استقر في حدود 84.3 مليون برميل يوميا بالنسبة للعام الماضي ترتفع إلى 85.8 مليون هذا العام، وهو ما يعني تراجعا طفيفا عن التقديرات التي كان عليها تقريرها للشهر الماضي، وهو ما أرجعته إلى ورود معلومات أكثر دقة من قبل دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. ويضع هذا نسبة النمو في الطلب على النفط في العام الماضي في حدود 0.9 في المائة، أي أقل من 1 في المائة، وبالنسبة لهذا العام ستكون في حدود 1.8 في المائة.
وترى الوكالة أن حجم الإمدادات تراجع الشهر الماضي بنحو 265 ألف برميل يوميا إلى 85.3 مليون برميل، ولو أن هناك زيادة في إمدادات المنتجين من خارج أوبك بلغت نحو مليون برميل يوميا، في الوقت الذي سجلت إمدادات (أوبك) تراجعا بنحو 800 ألف برميل يوميا.
وفي الشهر الماضي وحده تراجع إنتاج أوبك بنحو 165 ألف برميل يوميا إلى 30.1 مليون، وهو ما يعود إلى الأسباب الأمنية، خاصة فيما يتعلق بوضع الإمدادات من كل من نيجيريا والعراق، إذ ظلت 650 ألف برميل يوميا خارج شبكة الإنتاج النفطي النيجيري إلى جانب 440 ألفا من قبل العراق وكلها لأسباب أمنية.
على أن مصادر أخرى مثل النشرة النفطية المتخصصة (ميس) أوضحت الأسبوع الماضي أن تقديراتها (انظر الجدول) لحجم صادرات الدول الأعضاء في أوبك تشير إلى حدوث زيادة أرجعتها بصورة رئيسية إلى إيران التي لجأت إلى ضخ أكثر من نصف مليون برميل يوميا من مخزوناتها العائمة في السوق.
كما أن الإنتاج العراقي شهد زيادة هو الآخر خاصة من قبل الحقول الجنوبية، حيث بلغ حجم الوارد منها 1.62 مليون برميل يوميا، كما أن أنجولا العضو الجديد شهدت زيادة في إنتاجها خاصة من حقل داليا المغمور تحت الماء، ولو أن نيجيريا تظل في حالة قلقة بسبب الاضطرابات الأمنية في دلتا النيجر وتأثيرها على حجم الإمدادات.
وبصورة عامة ترى (ميس) أن إنتاج (أوبك) زاد الشهر الماضي بنحو 590 ألف برميل يوميا إلى 30.6 مليون برميل، وأن إنتاج دول (أوبك) العشرة زاد عن الهدف الموضوع بنحو 1.2 مليون برميل يوميا، الأمر الذي يضعها في موقف أفضل لإدارة السوق مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة لديها والمرشحة للزيادة باستمرار.

الأكثر قراءة