رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


من كل حدب وصوب

لم يتأثر ولم يتغير مسار البشرية من بعد آدم -عليه السلام- بشيء تأثره وتغيره بأعمال ووصايا خمسة أنبياء، هم؛ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد -صلى الله عليهم جميعا، ولهذا فإنهم أهل العزم من الرسل، ويتقاسم أبناؤهم وأتباعهم الحياة والنزاع على هذه الأرض، وإذا كان نبي الله نوح -عليه السلام- هو أبو البشر الثاني برهم وفاجرهم فإن نبي الله إبراهيم هو خليل الرحمن وأبو الأنبياء منهم، وما جاء نبي من بعده إلا ليتبع حنيفية إبراهيم وتعاليمه التي استقرت في جميع الأديان السماوية اليوم. ويأتي الحجيج الأكبر من كل حدب وصوب ليتلمسوا خطاه وسيرته واللحظات العظيمة التي مرت على البشرية، بل حبست أنفاسها معه.
ولقد تنازع اليهود والنصارى والمسلمون في ولاية إبراهيم عليه السلام، ومن أحق الناس بها؟ حتى جاء الفصل من الله الكريم في قرآن يتلى إلى يوم الدين فقال الله تعالى، "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين". من أجل هذه الولاية والتحلي بها وتتبع طريق إبراهيم الذي مشى فيه قبل آلاف السنين وهو يبني البيت العتيق، نتذكر مسيره في منى وقد عزم أن يذبح ابنه إسماعيل تقربا لله كما أمره، ومع وقع تلك الخطى نتذكر الشيطان وهو يسعى خلفه ليثنيه عن ذلك، جاء الشيطان في ثياب المخلصين الناصحين المنقذ للابن من القتل، وجاءه يريد أن يغويه وأن يعصي الله، كما أغوى أباه آدم من قبل، لكن إبراهيم كان أمة من الناس، مضى في طريقه وكلما وسوس إليه الشيطان رماه بحجر، في هذا اليوم العظيم نتذكر تلك القصة العظيمة واللحظات الرهيبة التي مرت على البشرية ممثلة في ذلك النبي العظيم، ونتساءل وقد اقتربت اللحظة الحاسمة عندما وضع جبين ابنه إسماعيل -عليه السلام- على الأرض وحمل السكين ووضعها على رقبته، نتساءل ماذا لو لم يفد الله إسماعيل بكبش ليكون ذبحا بدله، والفرق بينهما عظيم، فهذا كبش من بهيمة الأنعام وهذا بشر سوي ونبي وابن نبي؟ ماذا لو مضت سنة الله بذبح الصالحين الطائعين المتقين لأبنائهم تقربا لله؟ أقول ماذا لو أنها مضت في الأنبياء من بعده حتى يومنا هذا؟ فهل سيصبح مثل هذا اليوم عيدا؟
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، نعم والله، لله الحمد حمدا كثيرا مباركا فيه، أمرنا ورحمنا، فقد أبدلنا الله عن ذبح أبنائنا بهذه البهائم من الأنعام، سخرها لنا، لنعبده بها، ونفدي بها أبناءنا، لنشكره عليها كل عام، وكلما تذكرنا هذه الأحداث العظيمة التي مرت على البشر نسجد لله ونفرح برحمته ونهنئ بعضنا بها، فمن منا يملك إيمان إبراهيم -عليه السلام- أو لديه ولد في مقام وإيمان إسماعيل، فإن عصينا هلكنا، وإن أطعنا هلكنا أيضا، فلله الحمد حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي جعل كيد الشيطان ضعيفا، وجعلنا بهذه الأضاحي نصل إلى مراتب الصالحين والمتقين. قال تعالى: "ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين".
فكل عام وأنتم وأبناؤكم والأمة الإسلامية بخير، وأعاد الله هذا العيد علينا بأمن واستقرار وسلامة، فيا له من عيد عظيم بكل المقاييس، وفرحة حقيقية، وسعادة غامرة، يجب إظهارها في كل مكان. عيد بكل المعاني، فيه شكر لله بهذه الشعيرة العظيمة، وما يحزنني اليوم هو أن الكثير منا قد فقد معنى هذا العيد مع زحمة الأحداث، ومع تزاحم الناس وكثرة النعم على بعضهم. فلم يعد له تلك المظاهر العظيمة التي كانت في زمن الآباء، والتقدير العظيم لهذه الأضاحي حتى إن بعضهم كان يصنع لها القلائد، ويتبارى الناس في حجمها، ومظاهر قوتها، وفي مباشرتهم ذبحها بأيديهم، كيف لا، وقد فدى الله بها الأبناء والأحباب، كيف لا وهي منسك عظيم وموقف لشكر الله، كيف لا وفيها إظهار طاعة الله وكبت الشيطان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي