ما السر وراء كل هذا العنف في البلاد العربية؟
هناك عنف مفرط في أغلب البلدان العربية. والعنف مرعب يرقى في كثير من تفاصيله إلى درجة من الوحشية والبربرية مما لم تشهده البشرية إلا في القرون الوسطى أو في الفترات الحديثة مع نمو أيديولوجيات عنصرية مقيتة في أوروبا مثل النازية والشوفينية والفصل العنصري ونظام العبودية وغيرها.
ما نشاهده من عنف في بعض البلدان العربية له أسبابه ودوافعه. هذا لا يجوز إنكاره ولكن مهما كانت هذه الأسباب والدوافع فإنها لا تبرر سفك دماء الأبرياء واضطهاد الآخر فقط لأنه مختلف عنا فكرا أو دينا أو مذهبا أو قومية.
وكما أننا لا يجوز أبدا أن ندرج أعذارا لمحاكم التفتيش والنازية والفصل العنصري ونظام العبودية وممارسات الإبادة الجماعية التي رافقت الغرب إلى عقود وسنين متأخرة، كذلك لا تبرير أبدا لما يقع من عنف مرعب في البلاد العربية.
وكما أن محاكم التفتيش والنازية والفصل العنصري ونظام العبودية وممارسات الإبادة الجماعية التي رافقت الغرب إلى عقود وسنين متأخرة هي وليدة البيئة والثقافة التي كانت سائدة فيه، كذلك فإن العنف الذي لا يمكن أن يتخيله العقل البشري المعاصر والذي يضرب الأمصار العربية هو وليد البيئة والثقافة السائدة فيه.
حسنا فعل الغرب من ناحية النظرة إلى مجتمعاته والطرائق التي يجب اتباعها ولا سيما في شؤون التربية والتعليم والثقافة. حدثت طفرة كبيرة في النظرة إلى الموروث والثقافة والتعليم والتربية في الدول الغربية ولا سيما بعد سقوط النازية والفاشية التي أحرق أصحابها ملايين البشر وهم أحياء ليس لسبب إلا لاختلاف العنصر أو الدين أو المذهب أو الثقافة.
وعند التحدث عن الغرب علينا أن نكون حذرين جدا. الغرب منافق بشكل مكشوف ولا يستحي من ذلك لأنه في الوقت الذي كان يبني مجتمعات تقبل الآخر وتؤويه في داخل دوله كان يساند الفصل العنصري المقيت في جنوب إفريقيا ويشن الحروب ويدخل في تحالفات بعيدة كل البعد عن الأخلاق الإنسانية الحميدة والأمثلة كثيرة على ذلك لا حاجة إلى الإتيان بها.
الغرب له سياسة وتوجه يختلف اختلافا كبيرا عند مقارنة كيفية تعامله مع مجتمعاته داخليا وكيفية تعامله مع المختلف عنه ضمن نطاق السياسة الخارجية. وهو بإمكانياته الهائلة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والعلمية يتمكن من لعب دورين مختلفين متناقضين.
وهذه صارت بمثابة بديهة أظن أن تفاصيلها أو بعضها على الأقل ليست غائبة عن الذهن العربي وهذه البديهة قد تشكل كلمة السر للإرهاب والعنف الذي يطول البلاد العربية.
العرب فشلوا في تكوين مجتمعات عصرية متمدنة لأنهم يخشون تغير البيئة والثقافة من خلال نظام تعليمي وتربوي وتشريعي وقضائي وتنفيذي عام لخلق أجيال تعيش لحاضرها وتقيسه ليس بمنظار الماضي الذي لن يأتي أبدا بل بمنظار ما نحن عليه الآن. زماننا ومكاننا لا يجوز أن يحدده ماضينا بل حاضرنا وما نحن عليه. محاكم التفتيش والنازية وغيرها من الشرور والتفاسير والنصوص لا تحدد مسار الغرب اليوم بل حاضره هو الحكم والفيصل.
ولأن العرب نظما ومجتمعات ليسوا على استعداد لتغيير البيئة والثقافة وإدخال نظم تعليمية وتربوية حديثة وسن تشريعات تنقلهم إلى الحاضر ظل أغلبهم يدور في الماضي. ولأن الحاضر حالك ومؤلم لا بل مخز في بعض تفاصيله يحن الناس إلى الماضي الذي يعرفونه ويشمئزون من حاضر يرونه سببا في تخلفهم ولا يثقون بمستقبل لا يعرفون كنهه.
بيئة كهذه تصبح مرتعا لتناسل وتكاثر مجموعات قد تكون صغيرة لكنها مؤثرة جدا تتخذ العنف والإرهاب سبيلا لتحقيق غاياتها وتستند إلى تفاسير غير حميدة لنصوص محددة. ولأن البيئة ملائمة لا يكاد العرب، مستعينين بالغرب ودافعين فاتورة حروبه، يحتوون تنظيما أو مجموعة أو نظاما إلا وتناسل وتكاثر وظهر ما هو أعنف منه وأكثر إرهابا وبطشا.
لا أظن أن كل الأموال العربية وكل القوة العسكرية الغربية وكل الاجتماعات والأحلاف ومجاميع الأصدقاء التي نراها حاليا ستؤدي إلى النتيجة المرجوة. بالعكس أخشى أنها ستؤدي إلى نتائج معاكسة ما لم يتم إدخال تغيير جذري في البيئة والثقافة والتعليم والنظم وطريقة الحكم.
مشكلة كبيرة وعويصة التي تواجهها الدول العربية ونظمها لأنها لا تريد أن تعترف بحقيقة واقعها أنها ضعيفة ومتخلفة ومجتمعاتها فاشلة وأن الاستمرار في الوضع الراهن كما هو سيزيد من العنف والإرهاب أضعافا ومن مجاميعه تكاثرا وانتشارا.