مراجعة كتاب: رأس المال في القرن الـ 21 لتوماس بكتي (الجزء الثاني)
هذا الجزء من المراجعة قد لا يناسب من ليس لديه رغبة في تفهم ما تخفي المساواة من عدمها تحليليا. في الجزء الأول تحدثنا عن العلاقة بين الدخل ورأس المال التي تعتبر مادة الكتاب في رصد وإثبات الخط البياني لعدم المساواة. ولكن يصعب فهم هذه العلاقة دون فهم المحركات والمكونات التى منها الدوري "المرتبط بالوقت والحالة السياسية والاجتماعية والقانونية"، والأزلي المرتبط بأنماط العلاقات بين النمو والدخل ورأس المال والتوفير والعائد على رأس المال. يعبر عن هذه العلاقات من خلال ما يصف بأنه القوانين الأساسية للرأسمالية. العلاقة بين الدخل ورأس المال علاقة متغيرة ترصد ولكنها لا تفسر القوانين الأساسية لرأس المال، ولذلك لا بد من مراجعة لهذه القوانين لفهم آلية الحركة، وكذلك لعل البعض يجد فيها مدخلا لقراءة أوسع. تبدأ الإشكالية في النظام الرأسمالي أن العائد على رأس المال دائما أعلى من النمو الاقتصادي "الدخل والإنتاج" مما يكرس تناقضا أزليا بين النمو والمساواة "دون تعديل تنظيمي مالي/ سياسي".
تحاول القوانين تفسير طبيعة هذا التناقض. القانون الأول تعبر عنه المعادلة التالية: حصة رأس المال من الدخل = نسبة العائد على رأس المال *"رأس المال/ الدخل". فكلما ازداد العائد على رأس المال ازدادت حصة رأس المال من الدخل وتناقصت المساواة في ظل ثبات العلاقة بين الدخل ورأس المال. فكرة العائد على رأس المال مركزية ليس في تراكم الثروة فقط ولكن للنمو الاقتصادي عامة. إذ يجب أن نفرق بين تراكم الثروة التي هي مسألة توزيعية في الآخر "يتم التعامل معها من خلال السياسات المالية والضريبية" وبين الحاجة للنمو الاقتصادي الضروري لتوفير الاحتياجات للجميع. ولكن النمو لا يحدث في فراغ إذ إنه مرتبط عضويا مع التوفير، فدون توفير ليس هناك استثمار ودون استثمار ليس هناك نمو. يعبر عن هذه العلاقة القانون الثاني للرأسمالية.
رأس المال/ الدخل = نسبة التوفير/ نسبة النمو الاقتصادي، فكلما زاد التوفير "لعدم حاجة ملاك الثروة للاستثمار الحقيقي في ظل نمو اقتصادي معين"، ازداد رأس المال قياسا على الدخل. الإشكالية أن النمو الاقتصادي كونيا لا يتعدى 1 إلى 2 في المائة سنويا، ولذلك في المدى البعيد تزداد نسبة رأس المال إلى الدخل. الرابط بين القانونين أن نسبة التوفير/ نسبة النمو الاقتصادي = حصة رأس المال من الدخل/ العائد على رأس المال. بما أن العائد على رأس المال أعلى من النمو الاقتصادي فإن حصة رأس المال من الدخل تزداد بسرعة أعلى من التوفير "المستقرة نسبيا"، حيث يصرف الأثرياء حصصا أقل من دخولهم. هذه العلاقة متغيرة وتعتمد على المرونة النسبية ولكنها صحيحة في المدى البعيد.
العلاقة بين هذه القوانين هي سر تناقض النظام الرأسمالي في نظر بكتي. المقصود بالتناقض هنا أن طبيعة هذه القوانين تقود إلى المزيد من عدم المساواة. سبب التناقض أن نسبة العائد على الاستثمار أعلى من نسبة النمو في الدخل "النمو الاقتصادي والأجور". ثم يتحدث عما قد يسببه قانون ثالث، حيث يصف الجزء الذي يذهب للورثة تاريخيا، وبالتالي فإن عدم المساواة يستمر بما يحمل من إضرار بالمجتمعات، كذلك اعتياديا يستمر الأغنياء في التزاوج مما يكرس الثروة. العديد اعتقد أن النظام الرأسمالي كفيل بتصحيح نتائج العلاقات من خلال التعليم ورفع المهارات والوعي الزائف بتكافؤ الفرص "طبقا لبكتي" حين حصل تغير إيجابي نحو المساواة أثناء الحرب وفي السنوات الأولى بعدها "الحرب العالمية الأولى والثانية"، ولكن منذ أواسط السبعينيات خاصة بعد سياسات ريجان وتاتشر بدأت وكانت النسبة بين رأس المال والدخل تقترب مجددا من معدلاتها قبيل الحرب الأولى.
في الجزء الأخير من هذه المراجعة سنستعرض الحلول والاقتراحات التي يقدمها الكاتب وبعض ما ذكر من النقد للكتاب والدروس المعتبرة والتي قد تفيد اقتصاد المملكة.