العرب ورهاناتهم الخاسرة على أمريكا
منذ بدأت أمريكا حربها العدوانية على العراق عام 2003 والمسؤولون الأمريكيون بدءاً من الرئيس بوش، ومروراً بنائبه تشيني، ووزير الدفاع رامسفيلد، ووزيرة الخارجية، وانتهاء بوزير الدفاع الحالي روبرت جيتس، يزورون العراق سراً ودون إعلان مسبق، ويقيمون سويعات ثم يغادرون العراق بعد أن يكونوا قاموا بعمليات تهدئة ورفع لمعنويات القادة والجنود الأمريكيين المنهارة، والذين يحاربون في العراق ويقتلون ويدمرون دون هدف واضح لهم سوى الهدف الذي يكرره قادتهم السياسيون من أنهم يحاربون القاعدة والإرهاب، وهذا ما يكرره الرئيس بوش في خطبه الأسبوعية للأمة وفي خطب المناسبات، أو تلك التي يلقيها حين يزور القواعد العسكرية في أمريكا. وقد كرر نائب الرئيس تشيني هذا الأمر، حيث ألقى باللائمة على القاعدة وبرر مجيء الأمريكيين إلى العراق، حيث قال نحن هنا لأن الإرهابيين الذين أعلنوا الحرب على أمريكا وغيرها من الدول الحرة جعلوا العراق الجبهة المركزية في هذه الحرب. ومع أنه لا أحد يصدق بوش ولا نائبه ووزيرة خارجيته ولا وزير دفاعه إلا أنهم يرددون هذه المقولات أخذاً بالمبدأ الذي يقول اكذب ثم اكذب ثم اكذب يصدقك الناس. وحتى لو صدق الناس هذه الأكذوبة فإن الواقع يخالف ذلك وما يواجهه الأمريكيون كل يوم في العراق من تحد لاستراتيجيتهم، وقتل لجنودهم، وتدمير لعتادهم الحربي يمثل أصدق دليل على ورطتهم التي يحاولون تبريرها بشتى السبل، ومع فشل السياسة الأمريكية في العراق يسعى الأمريكيون جاهدين لإقناع الآخرين سواء في كتلتهم الغربية أو أصدقائهم في العالم، وبالأخص في العالمين العربي والإسلامي بنجاح استراتيجيتهم وسياستهم في العراق، ولا يملِّون من الضغط على هذه الدول لتبني سياستهم، ودعمها، وتسويقها في الشارع العربي والإسلامي. ومع أن البعض يسعى جاهداً، ولأهداف، ومصالح خاصة للدفاع عن السياسات الأمريكية في العراق وخارج العراق، إلا أن الشعوب لم تعد تسير خلف هذه الأطروحات، فالفعل الأمريكي استهدف ويستهدف قتل المسلمين في كل مكان في العالم، كما أن أمريكا تبذل قصارى جهدها لحرمان المسلمين من أوجه التقدم الاقتصادي، والتقني، وحرمانهم من عناصر القوة بهدف جعلهم يعتمدون عليها في كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياتهم.
وحري بنا ونحن نراقب السياسة الأمريكية في العالم أجمع، وما يتعلق منها بالعالمين العربي والإسلامي بشكل خاص أن نعرف، ونلم بمنطلقات، ومحركات السياسة الأمريكية. وقبل أن نتناول هذه الأمور يحسن أن نشير إلى ردود فعل الساسة العراقيين إزاء زيارة تشيني والأجندة التي جاء بها وقدمها لهم، نائب الرئيس الأمريكي جاء وهو يحمل إملاءات على الساسة العراقيين تنفيذها، ويكفي أن نتأمل دعوته الساسة العراقيين لتحمل مسؤولياتهم وكأن تشيني الذي يغرق في المستنقع العراقي بل تغرق بلاده في هذا المستنقع، كأني به يلقي باللائمة على العراقيين الذين لم يستطيعوا ضبط الأمور وإعادتها إلى نصابها الصحيح بعدما حلت الفوضى محل الأمن، وحل الاضطراب محل الاستقرار، واستفحل القتل، والتدمير في كل مكان من العراق، وطال الصغير، والكبير, والعاجز، والصحيح. ونسي أو تناسى تشيني أنه وشلته التي سقط منها مَن سقط، وبقي منها مَن بقي هم السبب الرئيس وراء ما حدث ويحدث في العراق من مآس، ولا يلام إلا هو وزمرته مع العراقيين الذين أسهموا في مجيء المحتل وساعدوه على عدوانه. تذكرني دعوة تشيني بمقولة "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، حيث يلوم العراقيين على عدم قدرتهم على إعادة الروح للعراق بعدما حل به من نكبات على يد الاحتلال الأمريكي، والبريطاني. ومن المؤلم أن تصريحات بعض السياسيين العراقيين توحي إما بعدم فهم للسياسة الأمريكية أو باستعادة الوعي، ولكن بعد فوات الأوان، فالنائب الكردي محمود عثمان يقول في معرض تعليقه على زيارة تشيني "إن الأجندة التي جاء بها تشيني للعراق خدعة سياسية تحاول إدارة البيت الأبيض من خلالها حل مشاكلها الداخلية على حساب مستقبل العراق واستخدام أي انفراج على أي صعيد هنا في التخفيف من الضغوط التي يتعرضون لها داخل الولايات المتحدة". وأردف محمود عثمان قائلاً "منذ أربع سنوات ينفذون أجندات ترتبط بوضعهم الداخلي، ولا تلائم الواقع العراقي، فمثلاً الاستعجال في وضع الدستور، والاستفتاء عليه رغم اعتراضات البعض، وإجراء انتخابات في ظروف أمنية وسياسية متداخلة.." أما موفق الربيعي، مستشار الأمن الوطني في حكومة المالكي فقال "إن هناك مَن يحاول توقيت ساعة العراق على ساعة واشنطن". ونختتم بتصريح للنائب عن كتلة الائتلاف الشيعي فالح الفياض حيث قال "إن الأمريكيين يتحركون وفقاً لأجندتهم الخاصة التي يسعون فيها إلى إحلال الأمن بطريقة تختلف عن الأجندة العراقية..".
هل يتصور هؤلاء الساسة العراقيون أن مَن احتل بلادهم جاء ليطورها، ويصلح حالها، أم أنه جاء ليدمرها، ويعيدها إلى الوراء مئات الأعوام خدمة لمصالحه سواء في المنطقة أو على مستوى العالم؟!! إن اللوم في المقام الأول هو على العراقيين الذين فتحوا أبواب العراق للمحتل وساعدوه على عدوانه، وخططوا معه في الانقضاض على وطنهم، فهل يعلم هؤلاء الساسة مع مَن يتعاملون؟ وهل يفهمون خلفيته السياسية والاجتماعية، والثقافية؟ العدو الأمريكي ينطلق من فلسفة رأسمالية جشعة، قوامها ومرتكزها السعي وراء المادة، وتحصيلها بشتى الطرق، والأساليب، ومن مبادئها الغاية تبرر الوسيلة، فإذا كانت الغاية مزيداً من المال، والثروة فلا مانع من القتل، والتدمير, وارتكاب كافة المحرمات التي لا وجود لها في قاموسهم، إذ لا توجد محرمات أخلاقية، ولا شرعية، ولا دولية تحول دون تحقيق الأهداف، فالغنيمة يجب أخذها بأي ثمن، وهذا ما حدث للعراق، والعراقيين الذين أصبح مصيرهم القتل، والتشريد، والتهجير في بلادهم وخارجها. كما أن آلية الرأسمالية الجشعة، البراجماتية والنفعية المتطرفة، والتي تستخدم الخداع والكذب، والتدليس، وتعتبرها مهارات سياسية، وقدرات شخصية يحمد صاحبها ويستحق عليها التكريم والجوائز. مخطئ مَن يظن أن أمريكا ستوقت ساعتها وفق ساعة بغداد، خاصة إذا كان مَن يدير السياسة في واشنطن من كبار المستثمرين في النفط والصناعات الحربية. أمريكا تأسست بكاملها على الظلم وسلب الحقوق من أصحابها الأساسيين الهنود الحمر، ولذا لا غرابة أن يدوس الجنود الأمريكيون بأقدامهم القذرة على رؤوس العراقيين، وغيرهم عندما يعارضون سياستها، ويقفون في وجه مصالحها. إن ما شجع أمريكا على ممارساتها في العراق هو وقوف ثلة من الساسة العراقيين يتفرجون على أفعال جنودها وهم يقتلون الأبرياء ويغتصبون الحرائر، ويدنسون بيوت الله، ويكفي أن نسترجع صورة ذلك الجندي الأمريكي المتوحش الذي أطلق النار على رجل أعزل في أحد مساجد الفلوجة، دون أن يناله أي إجراء من قِبل قيادته. الداء فينا نحن العرب حين جعلنا من أمريكا ملاذاً نحتمي بها، ونستعين بها على بعضنا، وإلى أن نفهم أمريكا على حقيقتها، ونتخلص من عيوبنا بعد أن نتعرف على ذاتنا ونكتشفها على حقيقتها ومن دون إخفاء للحقيقة سيستمر مسلسل القتل والتدمير والإهانة لكل ما هو مقدس، وستكون النتيجة أن نؤكل كما أكل الثور الأبيض لأننا صدّقنا أمريكا وسرنا خلفها وراء أوهام لا تنتهي.