هيئة الأمر بالمعروف و«إزالة المنكر»
موضوعنا اليوم ذو حساسية مفرطة، لأنه يتطرق إلى أعمال وواجبات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان الجزء الأخير من المسمى يتحول أحيانا إلى إزالة وليس نهيا. والفارق اللغوي، أن النهي يكون عادة باللسان، وكلمة "إزالة" تحتم في كثير من الأحيان استخدام الجوارح. وتكوين الهيئة لم يأت من فراغ. فقد قال حبيبنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهو أضعف الإيمان". أو كما قال - صلى الله عليه وسلم. وسنحاول قدر المستطاع أن يكون حديثنا بعيدا عن التشنج والاتهامات واللوم والنقد غير المبرر. فهدفنا هو الإصلاح ماستطعنا إلى ذلك سبيلا. لقد هيَّأ الله للهيئة رئيسا، هو قمة في حسن الخلق وطيب المعاملة والحكمة في تناول الأمور الشائكة والمسائل المعقدة التي يمر بها أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وما دفعني إلى التطرق إلى موضوع أكبر من أن أحيط بجميع جوانبه وأعلم كل خفاياه، هو ما لاحظته من ردود فعل عنيفة وسلبية وأحيانا عدوانية من قِبَل الرأي العام العالمي، نتيجة لما حدث في أحد المرافق التجارية، من احتكاك بين رجال الهيئة ورجل يحمل الجنسية البريطانية وزوجته السعودية. وما كان لأمر مثل ما حصل أن يخرج إلى العلن وإلى وسائل الإعلام العالمية لو كانت الحكمة سيدة الموقف. وكان من الواضح أن رجال الهيئة الذين صادف وجودهم في الموقع آنذاك لا يملكون التأهيل المطلوب لمثل تلك المواقف، على بساطتها وقلة أهميتها. وعلى فكرة، شاهدنا أكثر من خمسة آلاف تعليق أجنبي على الحادثة. كلها سلبية وتصب في ذم الإسلام والمسلمين، والعرب منهم خاصة. ومعظمنا يعرف كم يؤثر ذلك على معاملة المسلم في البلاد غير الإسلامية، سواء من مواطني الدول الأجنبية أو ممن هم في زيارة أو بعثة دراسية. ونحن لسنا في حاجة إلى إضافة عبء على أولادنا هناك وإخواننا المسلمين.
رجل، لا فرق إن كان أجنبيّا أو مواطنا، تقدم نحو "الكاشير"، وهي بالمصادفة سيدة. زوجته كانت برفقته، وربما لم تكن ملاصقة له أثناء سيره. قدم بضاعته أمام "الكاشير" ولم تعارض السيدة، وهي صاحبة القول في ذلك الموقع. ولكن الرجل فوجئ بثلاثة رجال يندفعون نحوه لمنعه من تسليم الحساب. ونحن لا نعلم إن كان هو يعلم القصد من وجودهم والاقتراب منه بالطريقة التي شاهدناها في فيديو مسار "الكاشير". ويظهر أنه حاول تجاهلهم واستمر في طريقه، مما أثار غضبهم واضطرهم إلى متابعته حتى وصل إلى مواقف السيارات. وليس واضحا ما حصل بعد ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يتوجه رجال الهيئة إلى الرجل وليس إلى مسؤولي مركز التسويق؟ الرجل وجد الطريق مفتوحا ولا أمامه ما يشير إلى أن المسار مخصص للسيدات. وسيدة "الكاشير" لم تعارض وجوده، ربما لأن زوجته كانت بصحبته. وهل رجال الهيئة كانوا مرابطين خلال الـ 24 ساعة في ذلك المكان من أجل التأكد من عدم تكرار مرور الرجال، أم أن وجودهم كان مصادفة لسوء حظ الرجل الغريب؟ ومن صفة رجال الهيئة أن مسؤولياتهم هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهل ما حصل في تلك الحادثة، ثلاثة رجال يندفعون ثلاثتهم لمنع رجل من دفع قيمة مشترياته، عمل مقبول؟ فإذا لا بُد، فقد كان يكفي أن يتقدم أحدهم ويبدي ما لديه من نصح للرجل، وانتهت مهمتهم.
من الواضح أن رجال الهيئة ينقصهم الشيء الكثير حتى يكون عملهم مثمرا، دون إثارة ولا شغب وأخذ ورد. ولا نظن أن ثقافتهم كافية ليعلموا أن أغلب المحال تراقب عن طريق الكاميرات الخفية، وهو ما أقام عليهم الحجة في الحادثة التي نحن بصددها. أما في حادثة الخفجي، وهي التي داهم فيها رجال الهيئة منزل أحد العمال الأجانب غير المسلمين، فقد أحضروا معهم كاميرات التصوير، ويا ليتهم لم يفعلوا. وهنا أيضا نستغرب من هجوم مباخت من رجال الهيئة على عمال آمنين، ذنبهم أنهم كانوا يؤدون طقوسهم الدينية الخاصة بهم، دون ضجة أو إيذاء لأحد. وما الشيء المنكر أو الغلط في ذلك؟ أليس من حقهم أن يمارسوا شعائر دينهم مثل أي إنسان آخر؟ نعم، لا بأس من منعهم من بناء المعابد أو الجهر بالدعوة لدينهم. أما في قلوبهم وداخل مساكنهم، فهم أحرار. وإذا كان لدينا اعتراض على وجودهم، فلماذا نسمح باستقدام غير المسلم؟ ولماذا لا يكون من ضمن برامج تأهيل رجال الهيئة، إعطاؤهم فرصة العيش في إحدى الدول غير الإسلامية ليشاهدوا بأنفسهم كيف يعامل الإنسان المسلم هناك. لنا قِيمَنا وأخلاقنا وعاداتنا وحرمة أرضنا، ولكن أيضا للضيف كرامة وله حقوق.
ونود أن نسأل المسؤولين عن أعمال وواجبات الهيئة، هل يتم حصولهم على إذن شرعي من المحاكم يخول لهم تنفيذ مهماتهم التي تتطلب الدخول إلى المنازل والمرافق العامة؟ وحتى لا نهضم حق رجال الهيئة، فلهم منا جزيل الشكر والامتنان على مجهودهم الكبير والفعال في متابعة وملاحقة صانعي الخمور المحلية. فلا شك أن إنجازاتهم في هذا المجال تستحق منا كل تقدير واحترام.