رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كيف يحارب السويديون بعضهم بعضا؟

تدور رحى حرب حامية الوطيس في السويد والناس والأحزاب مقبلة على انتخابات مصيرية في 14 أيلول (سبتمبر) الجاري. ولكنها حرب تختلف كثيرا عن مثيلاتها في دول العالم الأخرى حتى المتمدن والمتحضر منها. إنها حرب ولكن وقودها الخطاب "اللغة وأي وسيلة اتصال أخرى".
لا أريد أن أدخل في خضم الصراع الحزبي بين اليسار واليمين واليمين المتطرف أو حتى النازي "هناك حزب نازي صغير في السويد" لأن غاية هذا العمود أساسا هي فكرية، أي تقديم تجربة محددة إن من وسط المجتمعات العربية أو الإسلامية أو غيرها للقراء الكرام عسى ولعلنا نفيد أنفسنا بها فكرا وممارسة.
السويديون ديدنهم الخطاب لأنه سلاحهم الوحيد في محاربة بعضهم بعضا. ولكن شتان بين سلاح الكلمة الذي يستخدمه السويديون للدفاع عن أنفسهم إن كانوا أحزابا أو مجموعات من شتى المشارب وبين سلاح الكلمة الذي تتدواله الكثير من الأحزاب والمجاميع في الشرق الأوسط.
السويد في كرنفال حقيقي. حيثما ذهبت ترى هناك اجتماعا وندوة ولقاء لمختلف المجاميع وحيثما ألقيت ناظرك وقعت عينك على لوحة تروج لهذا المنحى أو ذاك أو لهذا النهج أو ذاك.
ندوات في التلفزيون أو الراديو طوال الليل والنهار ولقاءات في المدارس والجامعات تجري على قدم وساق، ولكن سلاح الكلمة المستخدم فيها من طراز خاص.
تسيل الكلمات والعبارات والجمل بشكل سلس دون انتقاص أو إلغاء الآخر وفيها احترام متبادل رغم محاولة الكل البرهنة على صواب مواقفهم تجاه مختلف القضايا التي تخص الشعب وأن نجاح الطرف المقابل سيكون له تأثير سلبي كبير في مجمل مناحي الحياة في البلد.
وأنا أتابع الانتخابات بشغف لم ألاحظ حتى هذه اللحظة في كل المناظرات والمناقشات والتغطية الهائلة صراخا أو "عياطا" أو شجارا أو عراكا بالأيدي بين المتحاورين. وكذلك من النادر أن تلاحظ أن يقاطع الواحد الآخر دون طلب السماح منه أو من المنظمين للحوارات أو اللقاءات هذه.
وحتى ما يراه الناس هنا أنهم مجموعات أو أحزاب يمينية متطرفة لم تقحم نفسها في خطاب إقصائي بل تستخدم منطق الحوار لتقديم نفسها أو آرائها وتستخدم كذلك الدليل، حسب وجهة نظرها، أنها الأجدر بقيادة البلاد من منافسيها.
والحديث عن الأجانب أو الذين من أصول أجنبية ذو شجون ويتم تداوله بطريقتين مختلفتين: الأولى الكل متلهف لكسب أصواتهم والثانية هناك مرشحون كثيرون أجانب ومن أصول أجنبية وبينهم كثير من أصول عربية أو إسلامية. كل حزب من الأحزاب الثمانية الرئيسة يحاول جهده أن يظهر أنه يؤوي الكل ويساوي بين الكل. إدخال غير السويديين في القوائم الانتخابية جزء من فلسفة المساواة التي يتبناها هذا البلد.
الشيء المؤثر جدا هو أن الأجانب أو ذوي الأصول الأجنبية لا سيما الشرق أوسطية ومعها جميع الأحزاب لا تثير، ولا يجوز ذلك حسب القانون، أي مسائل تخدش المختلف عنها دينا أو مذهبا.
فلا ذكر للكتب التي يراها أصحابها مقدسة أو اقتباس منها لغرض التأثير في الناس سلبا أو إيجابا ولا ذكر للأديان وأتباعها أو المذاهب وأصحابها مدحا أو ذما.
وهكذا يخلو خطاب الكل تقريبا مما ينتقص أو يقصي أو يهمش ثقافة الآخر والدين والمذهب والمنهج الفكري جزء أساسي من الثقافة.
والإعلام ملتزم بهذه المعايير لأن أي تجاوز يكون تحت طائلة القانون.
ولا أريد أن أقارن بما يحصل في أغلب دول الشرق الأوسط وما نقرأه أو نسمعه أو حتى نشاهده في كثير من الوسائل الإعلامية ومنها ما هو كبير وشاغل الناس، حيث قلما يخرج من إطار المخاصصة والإقصاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي