رسالة إلى معلمات المدارس النائية

نوجه هذا الحديث إلى كل من له علاقة بنقل المعلمات إلى المدارس النائية، من أقارب ومن مسؤولين. ونخص بالذكر إدارات المرور في مختلف المناطق. ولا نستثني صاحبات الشأن، المعلمات المكافحات أنفسهن. فالأمر جد خطير، ولا يحتمل التسويف والإهمال. زوجات وأمهات وفتيات في مقتبل العمر، يسرحن من بيوتهن مع بزوغ الفجر، في طريقهن إلى مراكز وقرى نائية من أجل تعليم وتربية فلذات الأكباد الذين يقطنون خارج المدن الكبيرة، وعلى مسافات قد تصل مئات الكيلومترات. مستخدمات وسائل نقل تفتقد كثيرا من ملتزمات السلامة المرورية. فالتي منهن تترك والدين مُسنين، والتي تودع أطفالها الصغار تحت رحمة الله وبحفظه، وقلبها معلق بهم. ومن ثم، وبعد أداء عملهن الشاق، تعود المعلمات إلى منازلهن آخر النهار وهن منهكات فكريا وبدنيا، سالكات الطريق نفسه، ولمدة خمسة أيام متوالية في الأسبوع. ومعظمهن يظللن على هذا المنوال سنوات طويلة، حتى يتيسر لهن النقل إلى أماكن أقل بعدا عن مساكنهن. ما أصعب الحياة في وضع كهذا وتحت مثل تلك الظروف القاسية! ولكن مهلا، نعم، هناك حالات أشد وطئا وأكثر إيلاما، وهو فقدان أولئك العزيزات علينا في حالة حدوث كارثة مرورية ــــ لا قدر الله ــــ، يكن ضحية لها. وهذا هو موضوع المقال، وما سنتحدث عنه بإسهاب.
نحن نعلم أن تغيير الوضع القائم الآن غير وارد. فلا نستطيع تقريب المدن من بعضها ولا اختصار المسافات. وإذا لم تقم بنات الوطن بهذا الواجب، فليس أمام المسؤولين إلا استقدام معلمات من الخارج، وهو ما لا نجد له ضرورة ولا مبررا اليوم. ومسألة انتقال المعلمات للسكن حيث مقر أعمالهن، من أجل توفير السفر وقطع مسافات طويلة يوميا، فهذا أيضا أمر يصعب تحقيقه لأسباب عائلية خاصة بكل أسرة. فإذا لا بد من الاستمرار على هذه الحال رغم المخاطر والمشقة. ويبقى أمامنا البحث عن حلول تساعد على تجنيبهن الوقوع في الحوادث المرورية، أو على أقل تقدير التخفيف من أثر الإصابات البدنية. وهذا، ولله الحمد والشكر، متوافر، وبالإمكان تطبيقه والاستفادة منه، مع الإيمان بأقدار الله والتوكل عليه.
ونود أن نذكر، ليس من قبيل البشرى، ولكن من أجل أخذ العِبر، أن حادثا مروعا حصل لمجموعة معلمات في أول يوم من الموسم الدراسي لهذه السنة، في منطقة سدير، أي قبل أيام قليلة. والنتيجة، حمانا الله وإياكم، انتقال بعضهن إلى رحمة الله وإصابة البعض الآخر بإصابات مختلفة. وهذا أمر محزن لنا وكارثة إنسانية بالنسبة لذويهن. فما هو العمل الذي نقترحه للتخفيف من تلك الفواجع؟
أولا، فيما يظهر لنا أن وسائل نقل المعلمات لا تخضع لأي مراقبة أو محاسبة أو توجيه، لا من وزارة التربية والتعليم ولا من إدارة المرور. ونحن نحمل إدارات المرور مسؤولية التأكد من سلامة المركبات وسرعة السير على الطرق الفرعية. ونقصد بذلك أن يخصص المرور أفرادا تكون مهمتهم الرئيسة متابعة مركبات النقل ومعرفة عددها وأوقاتها. وهذه خدمة وطنية لا تقل أهمية عما نشاهده داخل المدن. وأغلب الحوادث تكون نتيجة لوجود خلل في الطريق أو مصادفة مراكب من نوع الشاحنات البطيئة والمتوقفة على جانب الطريق. ولا بد من توعية السائقين، وهذه مهمة صعبة. ولكنها تسهل إذا كانت من أجل إنقاذ إحدى بناتنا الغاليات.
ثانيا، لا بد من إيجاد دور لوزارة التربية والتعليم. فهي الأم الرؤوم للمعلمات. ولا يخطر على البال أنها لا تحمل هما لسلامتهن والحرص على راحتهن واستقرار حياتهن.
ثالثا، وهو الأهم في الموضوع، نوجه نداءنا وتوسلنا ونصيحتنا إلى المعلمات الكريمات، أن يتحملن مسؤولية سلامتهن بأنفسهن. ونود أن نوضح ونؤكد لهن أن هناك وسائل معروفة ومجربة تخفف، بإذن الله، من حدة الإصابات لو- لا قدر الله- حصل حادث مروري أثناء رحلتهن. ولا أحد يضمن عدم وقوع الحوادث. فأسبابها كثيرة. منها خلل يحدث للإطارات، أو غفوة السائق المرهق، أو المباغتة من مركبات أخرى على الطريق. كل هذه أمور تحدث يوميا في أماكن متفرقة من هذه البلاد مترامية الأطراف.

ضرورة ربط حزام الأمان:
وزبدة الحديث: أن الرسالة التي نود إيصالها في هذا المقام إلى المعلمات المكافحات هي أن يتقيدن بأمور السلامة من أجل سلامتهن وعودتهن سالمات إلى أحبابهن الذين ينتظرون عودتهن بفارغ الصبر وشديد الوله. ودورهن في هذا المجال من أبسط الأمور، ولكن أهميته لا تقاس بثمن، ألا وهو ربط حزام الأمان بمجرد الركوب في المركبة. ونحن نعلم مدى نفور أفراد المجتمع من ربط الحزام، تحت وهم تقييد حرية الحركة وعدم الاعتياد عليه واستبعاد حدوث الحوادث. ولكن أمره بسيط ولا يحتاج المرء أكثر من وقت قصير، ويصبح عنده ربط الحزام أمرا عاديا، بل ضروريا. ومن واجبات رجال المرور أن يتأكدوا من ربط الحزام لجميع الركاب. ولا نبالغ إذا قلنا إن ثقافة الاهتمام بأمور السلامة المرورية تكاد تكون مفقودة في وسط مجتمعنا، على الرغم من كثرة الحوادث وتنامي عدد الضحايا سنة بعد سنة، وهو أمر مؤسف. ومن الغريب أننا لا نمانع في معايشة الحوادث المرورية وفظاعتها، ولا كأن شيئا ينغص علينا حياتنا ويفقدنا أعز ما نملك في هذه الحياة. اللهم نَوِّر عقولنا للهدى وقلوبنا بالإيمان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي