الإرهاب بين السرعة والعقل
يتحول سياق الحديث إلى المباشرة والصراحة والوضوح الشديد عندما يصل أي وضع إلى المرحلة الحرجة، وهذا تماما ما احتوته كلمة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة عندما دعا إلى محاربة الإرهاب باستخدام "السرعة" و"العقل" و"القوة". وهذه الرسالة لا تحتوي على جديد بقدر ما تؤكد على جدية المملكة المثبتة ميدانيا واستراتيجيا بالوقوف ضد الإرهاب. فعلى الرغم من المخاطر التي تتعرض لها المملكة والتضحيات التي بذلها أبناء الوطن للتصدي له، تظل جهود مكافحة الإرهاب خط التصدي الأهم للمحافظة على الأهداف التنموية والاستقرار المهم لهذا البلد.
ثلاثة ملامح رئيسة تناولتها كلمة خادم الحرمين الشريفين تؤكد أولويات المملكة حول تداعيات الوضع السياسي والأمني في المنطقة. أولا، استغلال مناسبة استقبال السفراء ومراسم تسليمهم لأوراق اعتمادهم ينطوي على رسالة مهمة لا بد من إيصالها للآخر بطريقة مؤثرة وواضحة. المملكة تضع مكافحة الإرهاب ومحاربة الظلم الذي يحصل بلا ذنب لأناس كثر في مقدمة رسائلها لبلدان وشعوب العالم، وتوضح المخاطر التي قد يظنها البعض محصورة في منطقة أو أخرى ولكنها في الحقيقة مصائب سلوكية شنيعة يعاني منها القريب والبعيد، قابلة للانتشار وتحوز على قدرة تدميرية كبرى مغلفة بالشناعة والقسوة ومبطنة بالجهل والتخلف.
ثانيا، التذكير بدور المملكة وجهودها المادية والمعنوية - بما فيها التذكيرية لبقية الدول والزعماء - التي لم تنقطع ولا أشك أنها ستتراخى يوما من الأيام في محاربة الإرهاب. تكبدت المملكة مليارات الدولارات وما زالت تقدم للمجتمع الدولي وبرامجه المتنوعة في سبيل مكافحة هذا الأمر الذي تأذت منه وتأذى منه غيرها. وهذا ما شدد عليه خادم الحرمين الشريفين ولفت إليه الانتباه في كلمته الأخيرة، ومن ذلك دفعة المائة مليون دولار لدعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب التي تمثل فقط الدفعة الأولى من دفعات أخرى قادمة لذات السبب. ثالثا، وصف الخطر القادم بدقة، أفضل بمراحل من مجرد التحذير منه؛ واختيار مفردات مثل "الإمكانية" و"السرعة" يعكس خصائص هذا الداء العضال الذي تتعرض به كل فرص البقاء للخطر. كانت وما زالت سرعة الانتشار من أكبر خصائص الأمراض الخبيثة التي تفتك بالأجساد والأنفس، وكذلك الإرهاب الذي يستند إلى مثلها من الخصائص، فيتنقل بذات السرعة بين الأنظمة الهشة وتستقبله العقول الضعيفة والضمائر المندفعة. لذا، وجب على السفراء في تلك المناسبة الاستماع إلى ما يؤكد اعتقاد القيادة بهذا الخطر وضرورة التخطيط لتفاديه والعمل بذلك، بالسرعة القصوى.
لا يمثل الإرهاب أكبر المخاطر السياسية والأمنية فقط، بل هو تدمير مبكر لمستقبل الأجيال القادمة، يتفتت بسببه بلورة التنمية والحضارة وهو في معامل تحضيره وإعداده. وكما يخطف الإرهاب بعض الشباب ويقدمهم قرابين لمخططات الشر ومصالح مرتزقة الحروب والنزاعات، فهو يخطف الفرص التي لم تُصنع بعد، ويصنع من الآمال التي لا حدود لها هواجس تلزم ضحاياها، يحدها الخوف ويكتنفها الألم.
الاهتمام بإيصال مثل هذه الرسالة إلى الزعماء دليل صريح على جدية المملكة وانتظارها لتحرك من لم يتحرك بعد لصد الخطر في الوقت المناسب، فحجم الضرر - الحاصل والمحتمل – لا يحتمل الانتظار. عندما يتأذى أحدهم ينفعل ويبدأ سوء الفهم في الظهور، وهذا تماما ما حصل مع الكثير من الدول التي تأثرت بجناية الإرهاب على مواطنيها وثرواتها، وهو أيضا ما شددت عليه هذه الكلمة الأخيرة، من المهم أن يفهم الآخرون موقفنا جيدا بعيدا عن سوء الظن والجهل.
لا تبتعد المملكة عن آمال أصدقائها ومواطنيها في مواجهة الإرهاب، وما يحيط بنا من كل جانب يجعلنا نفكر كل يوم.. ماذا عن القادم غدا؟ وهذا تماما ما تستبق الحديث عنه هذه الكلمة التي تصرح بالدعوة والتذكير والتحذير، تأكيدا لما هو معلوم وتوضيحا لمن لم يعلم بعد.