ونحن .. ماذا نقول؟
يقول المعلوماتيون والرقميون كلاما مبهرا وخطيرا عن توقعاتهم الرهيبة في المستقبل القريب والبعيد، يقولون سيتم تعميم استخدام الإنسان الآلي في جميع مناحي الحياة، حيث سيكون غاية في الصغر، وسيتمكن من أداء كثير من المهن الدقيقة بجودة عالية وبتكلفة أقل.
وإذا استطاع الإنسان الآلي أن يقوم بكثير من الوظائف التي كان الإنسان يشغلها، فإن الإنسان مقبل على تغيير المهن المتاحة في سوق العمل، ولن تكون المهن المطلوبة في سوق العمل مهندسا، وطبيبا، ورئيس تحرير، وإداريا، وميكانيكيا، وإخصائيا، وبناء، ونجارا، وسباكا، وكهربائيا، بل ستكون المهن الأكثر طلبا في السنوات العشر المقبلة هي مهن تتخصص في تقنية المعلومات، فمثلا أنت لا تحتاج إلى رئيس تحرير صحيفة ماهر في صياغة الخبر والمقال، بل أنت تحتاج إلى رئيس تحرير يتمتع بدرجة عالية من المهارة في تقنية المعلومات، أي أن تقنية المعلومات ستصبح بمثابة الحصان الأسود في كل وظائف ومهن المستقبل، كذلك فإن الشركات ستسبح في عالم افتراضي واسع الأرجاء، وستتطلع إلى تغيير نمط الحياة فوق كوكب الأرض.
ولذلك فإن العاملين في الشركة سيعملون كمستشارين، ولن تجد في "السليكون السعودي"، أقصد سوق العمل طلبا للوظائف التقليدية الغابرة.
وإضافة إلى ذلك ستكثر جحافل الهجرات من دول الجنوب إلى دول الشمال، ويقدر أن يتجاوز عدد المهاجرين أضعاف الرقم الحالي بحلول عام 2050، بمعنى إن المهاجرين من الجنوب سيزحفون لاحتلال الشمال سلميا واقتصاديا حتى يصلوا إلى سدة الحكم.
ويومذاك لن نستغرب حينما نرى حكومة ذات أغلبية هندية تتشكل في بريطانيا، وكذلك حكومة ذات أغلبية تركية في ألمانيا، وحكومة ذات أغلبية إفريقية في فرنسا.
وعلى صعيد الصراع على البقاء فوق كوكب الأرض، فإن المعلوماتيين الرقميين يقولون إن الحرب المقبلة ستكون حربا إلكترونية، وإن اللجوء إلى الخيار النووي أصبح احتمالا ضعيفا بعد أن فقد قدرته على الردع ولم يعد السلاح الذي يحسم المعركة، ولذلك يتساءل الخبراء ما فائدة الأعداد الكبيرة من الطائرات أو الأرتال الضخمة من الدبابات إذا ظلت رابضة كالسلحفاة في ساحة القتال وهي عاجزة عن الحركة وغير قادرة على كسب المعركة.
ولقد استطاعت الولايات المتحدة أخيرا إصدار نسخة جديدة من أسلحتها الإلكترونية الفتاكة التي تحمل اسم اللهب Flamer ويجوب هذا السلاح الفضاء الافتراضي وتتفوق قوته على السلاح النووي فوق التقليدي، ولا تقتصر أهدافه على شن هجمات على منشآت ذات حساسية بالغة كالبرنامج النووي الإيراني، وإنما يتجاوز ذلك مستهدفا جميع القطاعات في أي دولة دون استثناء، كما يتيح للدولة التي تطلقه أن يكون بمثابة جاسوس غير تقليدي، إذ بمقدوره تجنيد أي جهاز كمبيوتر ليتحول بدوره إلى جاسوس مطيع يسجل المحادثات التي تتم على مقربة منه ويلتقط الصور التي تظهر على شاشات الأجهزة، وكذلك اقتحام ما يدور من دردشات وصولا إلى تجميع ملفات البيانات وتغيير برمجيات الأجهزة.
ومن ناحية أخرى، فقد نشرت شركة استراتيجي أناليتكس الأمريكية المتخصصة في شبكات تكنولوجيا المعلومات تقريرا مثيرا أشارت فيه إلى أن هناك مجالا جديدا للحرب العالمية المقبلة، فالحرب لن يكون ميدانها الأرض ولا البحر ولا الجو، بل سيكون ميدان الحرب العالمية المقبلة هو الفضاء الإلكتروني، ونبه التقرير إلى أهمية حماية المعلومات العسكرية من هجمات القرصنة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل يدعو إلى القلق!
وبناء على هذه المعلومات التي سربتها الشركة، فإن مجلس النواب الأمريكي وافق أخيرا على قانون حماية ومشاركة المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية رغم المعارضة من قبل مؤيدي الخصوصية الخائفين من استخدام هذا القانون في انتهاك الخصوصية والتجسس على حريات الأفراد والممتلكات.
ولخطورة المرحلة التي بلغها السلاح الإلكتروني العالمي، فإن البنتاجون يعتبر أي محاولة إلكترونية من دولة معادية تعتبر بمثابة إعلان حرب ضد الولايات المتحدة.
ولكن مع هذا فإن حماية أمن المعلومات ستتزايد في ظل تنامي اعتماد النظم العسكرية على شبكات تكنولوجيا المعلومات، وأكد التقرير تحذيراته من خطورة القرصنة الإلكترونية لأن العالم دخل بالفعل في سباق تسلح إلكتروني.
وفي ظل هذا السباق المحموم على السلاح الإلكتروني، فإن بعض الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا ما زالت تقصر في تأهيل الأجيال المقبلة من أجل شغل وظائف غير تقليدية، وإذا استمرت هكذا فإنها ستصبح في المستقبل مجرد بلدان سياحية أو لنقل دولا تصطف في صفوف الدول النامية.
وبالتحديد في السنوات العشر المقبلة سيعاد تصنيف الدول الكبرى، وإذا لم تسجل بريطانيا وفرنسا تقدما في مجال تكنولوجيا المعلومات، فإنهما سيفقدان مقعديهما في صفوف الدول الصناعية الكبرى.
ويعيش العالم في هذه الأيام ثورة محمومة في مجال الأسلحة الإلكترونية نتيجة التطورات بل والقفزات الكبرى في مجال الإلكترونيات الدقيقة والمستشعرات والحاسبات الإلكترونية واستخدام المواد الصناعية المخلقة في بناء هياكل الطائرات والصواريخ وتكنولوجيا المحركات والفضاء التي أصبحت الشغل الشاغل للدول الصناعية الكبرى.
وبالنسبة إلى الصراع العربي الإسرائيلي، فإن زمام المبادرة حاليا لصالح دولة إسرائيل، وإذا أراد العرب أن يدخلوا حربا مع إسرائيل، فواجبهم أن يمتلكوا التكنولوجيا العسكرية الحديثة من خلال إعادة تشكيل أفراد القوات المسلحة من الأجيال التي تمتهن تكنولوجيا المعلومات.
وما نود أن نصل إليه في خاتمة هذا المقال هو إذا كانت هذه هي أقوال وتوقعات هؤلاء الرقميين والمعلوماتيين في الغرب، فماذا يقول المعلوماتيون والرقميون العرب؟!