ترسيخ قيم الانتماء .. في وطن الإنسانية

في الأسبوع الماضي استقبل الإعلامان المحلي والعالمي خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بشيء كبير من الاهتمام، كما أن الخطاب نال اهتماما أكبر من العلماء والمراقبين الدوليين والمحليين، ولقد أوضح خادم الحرمين الشريفين في خطابه البليغ أهم جوانب قضية الساعة، وهي قضية الإرهاب التي باتت تتهدد بقوة الأمن والسلم الدوليين ليس في منطقتنا العربية، ولكن -كما قال خادم الحرمين الشريفين- في كل أنحاء العالم.
وندد خادم الحرمين بالمواقف السلبية والكيل بمكيالين إزاء القضايا الدولية العادلة مثل قضية فلسطين وقضيتي سورية والعراق، ولقد أوضح المليك المفدى أن الإرهاب له أشكال عدة وأخطرها إرهاب الدولة كالذي تمارسه إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني والذي تمارسه حكومتا سورية والعراق إزاء الشعبين الشقيقين السوري والعراقي.
لقد حدد المليك المفدى حجم المخاطر التي تتعرض لها الأمتان العربية والإسلامية من جراء الفتن التي تنشرها المنظمات الإرهابية هنا وهناك باسم الدين الإسلامي الأقوم والإسلام منها براء.
إن خادم الحرمين الشريفين وضع الجميع أمام مسؤولياته من العلماء إلى القيادات في المجتمع الدولي، وأكد أن الموقف الجاد هو المطلوب تجاه الجرائم الوحشية التي ترتكبها في هذه الأيام الجماعات المنحرفة باسم الإسلام والإسلام منها براء.
وفي ضوء التطورات التى تشهدها بلاد الشام وبلاد الرافدين الآن، فإن المنطقة العربية كلها يتهددها هذا المد المضلل الذي يستهدف نشر الرعب والدمار في كل أرجاء الوطن العربي الكبير.
ونحن في السعودية -كما هو واضح من خطاب خادم الحرمين الشريفين- نعتبر الأمن والاستقرار فى وطننا الغالي نعمة من نعم الله -سبحانه وتعالى- يجب أن نحافظ عليه ونحميه، والله -سبحانه وتعالى- شرفنا بأن نسكن هذه البقاع المقدسة ونرفع عليها راية التوحيد؛ ونسبّح بحمده حمدا كثيرا بكرة وأصيلا.
لقد خصنا الله -سبحانه وتعالى- من دون سائر البشر بأن نسكن هذه الأرض المقدسة، وواجبنا تجاه خالقنا ثم تجاه أولي الأمر أن نكون على قدر المسؤولية ونحمي هذا المكان المقدس من حقد الحاقدين وإرهاب الإرهابيين.
إننا حينما نعيش فوق الأرض التى يقع عليها بيت الله وهو مهوى أفئدة كل المسلمين فى شتى أصقاع الدنيا، فإن الله -سبحانه وتعالى- قد فضلنا على العالمين، وإذا أحب الله قوما متعهم بنعم كثيرة أهمها نعمة المكان ونعمة الأمن، ثم نعم الموارد الخيرة التى تشكل مصدر الأرزاق والثراء لكل السكان على قدم المساواة.
والله -سبحانه وتعالى- من على هذه الأمة وأغدق عليها من نعمه وخيراته الشيء الكثير، فالله -سبحانه وتعالى- لن يهزم الأمة التى ترفع شعار لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ ولن يضيع أجر من أحسن عملا، بل الله -سبحانه وتعالى- سيكافئ كل من يحافظ على النعم بنعم أكثر وخيرات أكبر.
ومن أجل ذلك بادر خادم الحرمين الشريفين في وقت مبكر وأطلق مبادرته بإنشاء المركز العالمي لمكافحة الإرهاب في عام 2005، ولقد حز في نفسه أن المبادرات الدولية إزاء هذا المركز لا ترقى إلى المستوى الذي أنشئ من أجله، والآن حان الوقت كي تتحرك كل القوى العالمية لمحاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره وترسيخ الأمن والسلم الدوليين في كل أنحاء العالم.
ولذلك إذا كان الله -سبحانه وتعالى- قد أهدانا هذه الأرض وخصنا بوجود بيت الله فيها ومسجده الحرام ومسجد رسوله الأعظم -صلى الله عليه وسلم -، فإن واجبنا أن نكون جميعا مسؤولين عن حماية هذا الوطن الأغر، وحماية دينه الأقوم بالقول والفعل والممارسة الخيرة التى تستشرف وجه الله وثوابه -سبحانه وتعالى-.
وإذا كنا فى نعم كثيرة فباسم الله وبحمده يجب أن نرعى هذه النعم، وأن نحافظ عليها؛ يجب أن نسعى جميعا لكي نكون خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، يجب أن نكون فى الصفوف الأولى مع كل من يتفانى في حب الوطن والدفاع عنه، وليس من اللائق أن يكون من يقع المسجد الحرام ومسجد رسوله الكريم فوق أرضه بعيدا عن صفوف الأولين، وعلى جميع مؤسسات الدولة وجميع مؤسسات المجتمع المدني أن تضع البرامج من أجل ترسيخ قيم الانتماء لوطن الإنسانية، لأن الوطن الغالي والأثير أمانة في أعناقنا جميعاً.
إن إعمار الأرض والالتفاف حولها وحمايتها من الطامعين والحاقدين هي الوظيفة المثلى التى كلفنا بها خالق هذه الأرض، وحتى نحمي ونعمر ونبني الأرض ونرسي دعائم السلم يجب أن نخلص فى عملنا، ويجب أن نعطي العمل قدسيته وأهميته، وعلى السعوديين أن يتذكروا أن الوطن أمانة فى أعناقهم جميعا والإخلاص للوطن ولولي الأمر والدفاع عنه واجب مقدس، لأن حب الوطن من الإيمان. ونستطيع أن نقول إن خطاب المليك المفدى فيه رؤية عميقة لقراءة المستقبل، ولا سيما وأن المنطقة لها تجارب تاريخية متعددة على شاكلة ما تقوم به «داعش» و«النصرة» وجماعة بيت المقدس و«الإخوان» و«القاعدة» وما يتفرع عنها ويخرج منها، ولذلك كان التحذير الذي وجهه المليك المفدى تحذيراً يستند إلى كثير من الشواهد والواقعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي