ما سياستنا في تمويل مشاريعنا من أسواق المال العالمية؟
طرحت الحكومة فرصا استثمارية في قطاعات الطاقة والمياه المحلاة والبتروكيماويات والغاز الطبيعي بقيمة 320.7 مليار دولار أمريكي (1202.6 مليار ريال سعودي)، نتيجة لتزايد الطلب المحلي والعالمي على منتجات هذه القطاعات وخدماتها، إضافة إلى طرحها فرصا استثمارية أخرى لتطوير البنية التحتية وقطاع السياحة والاتصالات والزراعة والتعليم والتدريب بقيمة 303.2 مليار دولار أمريكي (1137 مليار ريال سعودي).
ويأتي هذا الطرح تزامنا مع قيام القطاع الخاص بطرح شركات عملاقة تهدف إلى تنفيذ مشاريع طموحة في القطاعات الاقتصادية كافة بمئات المليارات من الريالات، حيث يحتاج القطاع الإسكاني وحده إلى نحو الـ 500 مليار ريال لتطوير نحو مليون وحدة سكنية في السنوات الخمس المقبلة.
وإذا أخذنا بالاعتبار حجم السيولة المتاحة حاليا والقادمة والخارجة مستقبلا لأدركنا، بما لا يدع مجالا للشك، أن تمويل مثل هذه المشاريع العملاقة يحتاج إلى تمويل كبير من داخل البلاد وخارجها لتنفيذها بالجودة المطلوبة والوقت المناسب، وكلنا يعلم إدراك الحكومة ذلك وتحركها لتوفير هذا التمويل، لكن ما هو غائب عنا هو سياستنا في تمويل تلك المشاريع من أسواق المال العالمية، وكيفية جذب الممولين ومتطلبات ذلك الجذب.
وللحقيقة أقول لقد سررت وأنا اطلع اليوم على ما نشرته الصحف حول مؤتمر اليوروموني السعودي لعام 2007 تحت شعار "التمويل عالم متغير"، حيث اتضحت لي رغبة الحكومة الصادقة ممثلة في وزارة المالية في تذليل عوائق التمويل بهدف تمكين المشاريع الحكومية العملاقة والمشاريع الخاصة من الوصول لجميع الجهات التمويلية للحصول على التمويل اللازم والمناسب لتلك المشاريع.
كما أسعدني تركيز المؤتمر على ضرورة تنويع مصادر التمويل، حيث إن توسيع القاعدة التمويلية يؤدي تلقائيا إلى تخفيض تكاليفه، وهو ما سيسهم في تحقيق أهداف خطط التنمية المنشودة، وأعتقد أن المؤتمر سيتيح فرصة كبيرة لكل مسؤول أو مستثمر أو مهتم، إضافة لكل مواطن للتعرف على حجم التمويل المطلوب لخطط التنمية ومصادر التمويل المتاحة، وكيفية توفير التمويل من هذه المصادر، وما المتطلبات التي يجب تحضيرها للحصول على التمويل المطلوب محليا ودوليا.
وإذا كان هذا المؤتمر إحدى الآليات التي تنفذها وزارة المالية لتوفير التمويل اللازم للمشاريع الحكومية والخاصة الطموحة، فإنني أعتقد أن على الوزارة أن تبذل جهودا كبيرة بالتعاون مع الجهة المنظمة ومع الوسائل الإعلامية لإيصال ما سيخلص له المؤتمر من أفكار ومرئيات وتصورات أو حتى توصيات كمحصلة لما سيتداوله المؤتمرون المهنيون الممارسون والمتخصصون الذين سيتوافدون من أكثر من 25 دولة للتحاور في نحو سبعة محاور ساخنة.
كما أعتقد أنه على وزارة المالية أن تعرّف المواطن والمسؤول والمهتم من خلال هذا المؤتمر بالسياسات التي ستتبعها الوزارة مع الجهات التمويلية، خاصة أننا كدول نامية نخشى الديون والشراكات الخارجية، لأننا شعوب تسود بين أفرادها ثقافة الشك والريبة والخوف من الآخر ومن نياته وأهدافه الموازية للتمويل والشراكة، وهذا ما جعلنا لا نخشى على بلادنا عندما كانت ترزح تحت الديون التي استطاعت تقليلها إلى 28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي باعتبار أن تلك الديون ديون داخلية.
كلي ثقة بالقائمين على الشأن المالي في بلادنا، وكلي قناعة بضرورة التمويل من داخل البلاد وخارجها، وأنا على علم كامل بأن كل الدول المتقدمة تمول مشاريعها من داخل البلاد وخارجها، ولكن الوضوح والشفافية مطلوبان ليكون المواطن على ثقة تامة بأن ما تفعله الحكومة يصب في مصلحته ومصلحة أبنائه وأحفاده في نهاية الأمر، وأن الحكومة حريصة أشد الحرص على كامل سيادتها وإرادتها، وأنها قادرة على التعامل مع الجهات الممولة بما لا يتيح لأي منها التدخل في بلادنا بصورة لا نرضاها.
وما أود أن أقوله في الختام: كلنا تفاؤل وثقة، تفاؤل بالمستقبل وثقة بقيادتنا الحكيمة، ومصدر تفاؤلنا هو ما نراه من تواصل غير مسبوق بين المسؤول والمواطن وما نراه من مداولات لأهم المواضيع والقضايا من خلال جميع الوسائل المباشرة وغير المباشرة، وكل ذلك يبشر بخير كثير وفوائد عامة، ومصدر ثقتنا ما نراه من حب كبير متبادل بين القيادة والشعب، حيث النيات الخالصة التي نسأل الله أن تثمر أطيب الثمار بما يحقق الحياة الكريمة الهانئة لأفراد الشعب السعودي المعطاء.