دماغ صناعي يقدم المعلومات لحظة الحاجة إليها
في الوقت الذي يصبح فيه العالم متصلا بإفراط، هناك مستقبلان محتملان يتربصان بمجال الأشخاص الذين يعتمدون على المعلومات.
الأول هو فوضى من الإفراط، حيث المعلومات المهمة يتم إغراقها بسبب الضجيج، أو تبقى محصورة في أجهزة مستقلة، وفي خدمات السحابة التي تفشل في الاتصال مع بعضها البعض.
المستقبل الثاني هو نعيم من الصلة والأهمية، حيث المعلومات المناسبة تجد طريقها إليك حتى قبل أن تُدرك حاجتك لها.
لذلك ليس من قبيل المفاجأة أن فيل ليبين، رئيس إيفرنوت، وهو تطبيق لتدوين الملاحظات مع طموحات أكبر بكثير، موجود في معسكر النعيم.
ليبين، المبرمج الذي لم يُعط الأهمية التي يستحقها، لا يقوم بإطلاق نوع الحماسة التبشيرية الموجودة غالباً في شركات وادي السليكون هذه الأيام. فهو يعمل بجد ليظهر أنه معتدل ومتفهم بحيث إن إدعاءاته الأكثر تكلفاً وفخامة تخاطر بأن تمر دون أن تتم ملاحظتها.
يتحدث عن خدمة إيفرنوت بصوة عادية كمن يقرر حقيقة معروفة، قائلاً "نحن لا نرى أنفسنا بأننا دماغ خارجي. نحن هنا لجعلك أذكى، ولمساعدتك على اتخاذ قرارات أفضل وأكثر تركيزاً".
هذا ليس رؤية لذكاء اصطناعي كامل، لكنه يتنبأ بقدوم "ذكاء كبير"، مع آلات تتصرف كأنها مساعد شخصي للإنسان وتكون في حالة تأهب دائمة. ويقول "بحلول الوقت الذي يجب أن تفكر فيه في البحث، فإن شيئاً ما سيكون قد فشل من قبل. لو كنا نقوم بعملنا على أكمل وجه لكنا أظهرنا لك المعلومات التي احت جتها قبل أن تعرف أنك كنت بحاجتها".
إن كون هذه هي الفكرة العظيمة التي تدفع رؤية "جوجل" للبحث، فهذا يعطي فكرة عن حجم طموح ليبين. إنها منافسة يتجاوزها عادة بشكل يكون عفوياً. يقول، متحدثاً من المقر الرئيسي لإيفرنوت في ريدوود سيتي في وادي السليكون، "أنا لا أعتقد أن هناك محال تنظيف جاف موجودة لا تعتقد أن "جوجل" ليس منافسها المحتمل الأكبر، لأن "جوجل" تريد القيام بكل شيء".
ربما هذه الثقة هي بسبب التأييد المخلص الذي يتمتع به تطبيق إيفرنوت بين مشجعيه الأكثر تشدداً. من أولئك الذين استخدموا التطبيق لأكثر من خمسة أعوام، نحو الثُلث يدفع مقابل إصدار مميّز - نسبة عالية للخدمة التي توظف أنموذج عمل "مجاني"، حيث المستوى الأساسي يكون مجانياً. يدّعي تطبيق إيفرنوت أن لديه 101 مليون مستخدم، منهم أربعة ملايين يستخدمون الخدمة المميّزة المدفوعة.
مستخدمو تطبيق إيفرنوت يستخدمونه لحفظ عناصر مثل الملاحظات، والصور، ونسخ كاملة من صفحات الإنترنت، ويقومون بمزامنتها بين أجهزة مختلفة إضافة إلى مشاركتها أو توحيدها مع آخرين. ويحلم ليبين بتحويل هذا إلى دماغ ثانٍ يعتمد على كونه قادراً على تقديم المعلومات تماماً في اللحظة التي نكون بحاجة لها.
ويقول "إذا كنتُ جالساً في اجتماع وأقوم بتدوين الملاحظات، فإنه تلقائياً يقوم بالبحث في ملاحظاتي الخاصة وملاحظات زملائي في العمل (...) وسيُظهر لي أي شيء يعرفه أي شخص أعرفه عن الموضوع الذي [آخذ الملاحظات بشأنه".
مع ذلك، إيفرنوت ما هو إلا تطبيق واحد فقط في المجال المزدحم بشكل متزايد لتطبيقات "الإنتاجية" في الهواتف الخلوية، وجمعه الكثيف للميزات يمكن أن يبدو معقداً بالنسبة لعالم يتمحور حول الهاتف الخلوي في هذه الأيام، حيث الشركات مثل فيسبوك إما أنها تجرد خدماتها، وإما تقوم بتفكيكها إلى أجزائها المكوّنة سعياً لتحقيق البساطة.
وتعرّض ليبين أخيرا لانتكاسة في سعيه لبناء دماغ خارجي. في بداية العام، بعد يوم من عيد ميلاده الـ 42، كان مجبراً على أكل فطيرة متواضعة ردّاً على انتقادات بشأن الإصدار الأخير لتطبيق إيفرنوت على أجهزة أبل. لقد تعهد ليبين بفترة من التأمل. حيث اعترف قائلاً "إن الشركات الناشئة تأخذ النمو وتتسبب عمداً في تباطؤ التركيز على التفاصيل، والجودة لا تأتي بشكل طبيعي لكثير منا".
إذا كان رئيس "إيفرنوت" يبدو هادئاً وسط صخب أحداث الطفرة الأخيرة في وادي السليكون، ربما يكون ذلك لأنه شهد كل ذلك من قبل. فقد قام ببيع شركته الناشئة الأولى، وهي شركة تكنولوجيا خوادم تحمل اسم إنجين فايف، في الوقت الذي وصلت فيه فقاعة الدوت كوم إلى ذروتها في عام 2000. ومعظم سعر الشراء تم دفعه على شكل أسهم وسرعان ما ارتفعت القيمة السوقية لأسهم المشتري، شركة فيجنيت، بعد ذلك لتصل إلى 13 مليار دولار قبل أن تتراجع مرة أخرى.
هذه الثروة المفاجئة كانت على نقيض ما عاشه ليبين في طفولته. فقد كانت عائلته تعتمد على قسائم الطعام بعد انتقالها إلى الولايات المتحدة من روسيا عندما كان طفلاً. وذلك يُكرر تجربة مبرمج مهاجر آخر، جان كوم، الذي شارك في تأسيس تطبيق خدمة التراسل الواتس آب. ولإحياء ذكرى اعتماد عائلته السابق على قسائم الطعام، قام كوم بتوقيع عقد بيع الواتس آب إلى الفيسبوك بمبلغ 19 مليار دولار على باب مكتب الرعاية الاجتماعية الذي عرفه وهو طفل. لكن مثل هذه الإيماءات المبالِغة تبدو مستبعدة بالنسبة لليبين في حال تم بيع "إيفرنوت".
في الوقت الذي يواجه فيه "إيفرنوت" التعقيد المتزايد من التحميل الزائد للمعلومات على عدة أجهزة، فإن ليبين يواجه تحدّياً جديداً في الإدارة. معظم شركات التكنولوجيا لا تنجو من تحوّلات المنصات الدورية التي تجتاح هذه الصناعة. فبعد إطلاقه في عام 2008، بالقرب من بداية عصر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، تم تصميم "إيفرنوت" للعالم متعدد الشاشات الذي نشأ للتو. في المقابل، أعلنت "مايكروسوفت" أن تطبيقات برامج أوفي ستكون متاحة على أجهزة الآيباد هذا العام.
إلى جانب المنافسة الكثيفة، يواجه "إيفرنوت" الآن تحدّياً أعمق: العالم الممتد من الشاشات، من الساعات الذكية إلى الشاشات المتصلة في السيارات، حيث يرغب مستخدموها في الاستفادة من معلوماتهم المخزّنة. الأدوات تصبح أكثر بساطة في الوقت نفسه الذي تصبح فيه حاجة المستخدمين للمعلومات أكثر تعقيداً، الأمر الذي يشكّل تحدّياً لصنّاع التطبيقات من أجل التوّصل لإيجاد وسائل أفضل لجعل المعلومات متاحة. ويوضّح ليبين أن ذلك يُجبر "إيفرنوت" على إعادة تصميم بعض عمليات التطوير الأساسية فيه.
في السابق، كما يقول ليبين "كنا نقوم بالأشياء كما تفعل معظم الشركات، وهي تجهيز بعض البرمجيات، فنحن نقوم بصناعة شيء عملي بحيث نجعله جذاباً في وقت لاحق. الخطوة الأخيرة كانت التصميم".
ويقول "إن الأشياء بدأت تبدو مختلفة عندما ينتقل الوصول إلى المعلومات إلى أدوات مع عديد من العوامل ذات الأشكال المختلفة: إن الأمر يصبح أصعب بكثير لأنه الآن عليك تصميم الأشياء عبر عدة أجهزة في الوقت نفسه (...) هذا طريقة جديدة بالكامل في تصميم المنتجات التي يتقنها عدد قليل من الأشخاص، من ضمنهم نحن". ويملك الرئيس التنفيذي لـ "إيفرنوت" خلفية كلاسيكية لصاحب مشاريع البرمجيات. فقد درس علم الحاسوب في جامعة بوسطن، حيث لم يُكمل دراسته، ليقوم بتأسيس شركة قبل أن يتخرج. لكنه يقول "إن فهم البرمجيات في المستقبل سيحتاج لأن يكون مرتبطاً بإحساس قوي بالتصميم".
ويصرّح، قبل وصف التحدّي الجديد لجعل المعلومات عالمية ومتاحة - بسهولة، قائلا "أنا خلفيتي الهندسة، أنا مبرمج. نحن لا نرى ذلك كأنه مشكلة خوارزميات. الناس الذين يحركون هذا النشاط ليسوا من حملة الدكتوراه في الرياضيات أو علماء البيانات، بل هم المصممون الذين يقولون إن هذا هو الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه إذا أردنا أن نجعله يشعر أنه أكثر ذكاء".
هذا سيجعل الدماغ الثاني، إذا كان سيتحقق في أي وقت، ليكون بمثابة انتصار لتصميم المعلومات بقدر ما هو لهندسة البرمجيات. وفي الوقت الذي يصل فيه إلى هذا الهدف، يصبح ليبين الآن في سباق مع بعض شركات البرمجيات الأغنى والأذكى على وجه الأرض.