أين سيكون العرب بعد 50 سنة من الآن؟
الغربيون مشهود لهم ولعهم بالحاضر وما سيكون عليه المستقبل، عكس شعوب الشرق الأوسط، حيث النظم والمجموعات تتكئ كثيرا جدا على الماضي وتجعل منه وسادة كي تسترخي عليها رغم عدم مقاربتها، لا بل مفارقتها للحاضر الذي تعيش فيه.
وإن درسنا بتمعن أغلب المشاكل العويصة، لا بل الدموية والمرعبة التي تعيشها المنطقة لرأينا أن المنطلق الفكري لأغلبها يستند إلى الماضي. حتى الخطاب تتخله مفردات وعبارات ورموز من الماضي.
الماضي مهم في حياة المجتمعات والأمم التي تتخذه درسا لتحسين الوضع الراهن، حيث تحاول جهدها التخلص من كل سلبياته وما لا يوائم الحياة العصرية والبعد الإنساني من حيث كون الإنسان في حاضره هو قيمة أخلاقية عليا في حدّ ذاته، رغم الماضي الذي ينتسب إليه من حيث الثقافة والدين والمذهب والرموز الدينية وغيرها.
الغربيون اليوم - كنا على وفاق أو خلاف مع أسلوب حياتهم - يعيشون لحاضرهم ويعملون جاهدين لمستقبل أجيالهم، وإن فسرنا الأمر مجازيا لقلنا إن رؤوسهم وأرجلهم راسخة في الحاضر الذي يعيشونه. الشعوب في المنطقة العربية والإسلامية بصورة عامة أرجلها في الحاضر ولكن رؤوسها في الماضي. والرأس هو الذي يحرك الأرجل.
وعندما نقول إن الغرب يحاول العيش في الحاضر لا نعني أنه تخلص من ماضيه ولم يعد للماضي أي تأثير في حاضره. ما نعنيه هو أن الغرب يرى في الماضي معرقلا للتطور الإنساني ويحاول جهده التخلص من سلبياته التي كادت قبل عقود قليلة وليس قرونا أن تقضي عليه وعلى حضارته من خلال بروز أيديولوجيات شريرة مثل النازية والفاشية والبلشفية وفي القرون الوسطى مثل الحروب والصراعات المذهبية، ومن إفرازاتها محاكم التفتيش التي يراها بعض المؤرخين باكورة الأيديولوجيات الشريرة والمرعبة التي ظهرت في أوروبا في العصر الحديث.
العرب، والحق يقال، ليس هناك شوائب مثل النازية ومحاكم التفتيش والفاشية في تاريخهم البعيد والقريب، بيد أن هناك خشية كبيرة لظهور هكذا أيديولوجيات شريرة لديهم، وما نلاحظه من أحداث في بعض البلدان اليوم مثل العراق وسورية وغيرها ما هو إلا إشارات واضحة في هذا الاتجاه.
ولكن على العرب أن يعوا أن الساحة ليست محصورة أو مغلقة اليوم كما كانت في السابق. هناك لاعبون كثر وعلى رأسهم الدول الغربية التي عانت ويلات الأيديولوجيات الشريرة، وقد يساندها في مسعاها بعض العرب، همهما أن تتصارع الأيديولوجيات في المنطقة العربية، وأن ينحصر شر ما تراه أو تطلق عليه "مجموعات إرهابية" على العرب والمسلمين وحدهم، حيث يكون القاتل والقتيل من العرب والمسملين وأدوات ومستلزمات القتل (الأسلحة مثلا) غربية المنشأ مدفوعة الثمن مسبقا.
وهكذا ترى أن الغربيين لم يعد يميلون إلى التدخل المباشر لأن الأيديولوجيات في الشرق الأوسط بدأت تحارب بعضها بعضا، وصار القاتل والقتيل منهم وصار بودهم أن يستمر الوضع الراهن الذي يأكل من الجرف العربي والإسلامي وينخر فيه أطول فترة ممكنة.
الغرب منشغل بكثافة بالحاضر وكيف ستكون عليه الأمور في المستقبل القريب والبعيد. العرب منشغلون بالأيديولجيات التي أخذت تطحن بعضها بعضا والغرب منشغل بآخر تقرير صدر عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي حول ما سيكون عليه وضع شعوبه ودوله بعد 50 سنة من الآن.