مونديال كأس العالم .. الطريق إلى التنمية المستدامة
وسط مظاهرات عارمة واحتجاجات شعبية عاصفة أقيم مونديال كأس العالم 2014 في البرازيل، وكان المحتجون والمتظاهرون البرازيليون ينددون بالحكومة البرازيلية لأنها صرفت أموالا هائلة على تنفيذ مشاريع تأهيل البرازيل لإقامة المونديال، ويقول المحتجون كان الأجدر أن تنفق الحكومة البرازيلية هذه الأموال المبالغ فيها على معالجة الفقر والجهل والمرض الذي يعانيه الشعب البرازيلي المكلوم الذي يكتوي بنار الفاقة والجوع والتخلف!
ولكن ما يجب أن نسلم به، وما يجب أن تعرفه الشعوب أن مفهوم مونديالات كأس العالم أو الدورات الأولمبية لم تعد احتفاليات رياضية باذخة، وإنما تنظيم هذه المسابقات العالمية بات وسيلة من وسائل تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبيرة وتحقيق الأرباح، بل أضحى وسيلة جيدة من وسائل تنشيط الاقتصاد وتسريع تنفيذ برامج التنمية المستدامة.
لا جدال في أن الرياضة أصبحت أحد أهم المصادر للنمو والرخاء الاقتصادي، ولذلك عولت الحكومة البرازيلية على أقدام اللاعبين من أجل إعادة بناء الاقتصاد البرازيلي، وعلى سبيل المثال فإن الفوائد التي تنتظرها الحكومة البرازيلية من تنظيم كأس العالم وفقا لما صدر عن رئيس اللجنة المنظمة لا تتوقف على العائد الاقتصادي السريع من استضافة الاحتفالية الرياضية، وإنما تتطلع لما هو أكبر وأكثر على المدى الطويل، فالثقة التي يحتاج إليها الاقتصاد البرازيلي للخروج من دائرة الركود الاقتصادي جد مهمة، ثقة المستهلكين، وثقة المستثمرين، وثقة المنظمات الدولية.
ولذلك فإن تنظيم مونديال كأس العالم يعتبر فرصة ذهبية لبناء الثقة وتحقيق الانطلاقة الكبرى لسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية المثمرة، ولا سيما أن البرازيل تراهن على أنها في عام 2023 ستصبح الاقتصاد رقم (5) في العالم.
إن أهمية هذا الحدث الرياضي تمتد لما هو أبعد من تنظيم البطولة، الفرصة هنا تتمثل في تحسين وتنويع الاقتصاد، وتحديث البنية التحتية، وزيادة معدلات النمو خمسة أضعاف لما هو قائم عن طريق زيادة الاستثمارات وإعادة البناء، حيث تم توسيع وتحسين المطارات والموانئ، ووسائل المواصلات والنقل، وشق وتعبيد الطرق، وتحسين قطاع الاتصالات، وبناء الفنادق والمنشآت الرياضية والسياحية، وغيرها من التدابير التي تمت في وقت قياسي قبل بدء البطولة.
وستكون هذه البنى التحتية بمثابة منصات لانطلاق الاقتصاد البرازيلي إلى آفاق جديدة تعود بالخير والنفع على كل فئات الشعب البرازيلي.
ولذلك حينما أسندت اللجنة التنفيذية إلى "فيفا" على البرازيل استضافة مونديال 2014 حددت الحكومة البرازيلية سبعة أهداف رئيسة من خلال تنظيم المونديال: 1ــ وضع مقاييس ومؤشرات لتنفيذ أول كأس عالم في إطار التنمية المستدامة، أي أن تنظيم البطولة جاء من أجل اعتماد وتنفيذ وتسريع برامج التنمية المستدامة. 2ــ وضع سيناريوهات الاستثمارات وربطها بالناتج المحلي الإجمالي للدولة ككل ولكل مدينة تسهم في استضافة البطولة. 3ــ دراسة آثار وتداعيات هذا الحدث على الناتج المحلي الإجمالي لكل قطاع من قطاعات الاقتصاد. 4ــ اكتساب مزيد من تجارب عمليات إدارة النجاح والسمعة والتسويق الإعلامي والإعلاني والمعلوماتي. 5ــ وضع مخطط تفصيلي لتقييم المخاطر وتقليل التداعيات السلبية وسد الثغرات وتحقيق الآثار الإيجابية. 6ــ اختبار الفرص والإمكانات التي تعمل على استدامة الفوائد من هذا الحدث الرياضي التاريخي. 7ـ دراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لنهائيات كأس العالم 2014، لمعرفة تأثيرها على مجمل الأنشطة الاجتماعية والسياسية والرياضية.
ونذكر على سبيل المثال أن مكاسب صناعة السياحة تمثل المستفيد الأكبر من تنظيم البطولة، فقد حافظت البرازيل على مستوى ثابت من حيث عدد السائحين على مدى الخمس سنوات الماضية وهو خمسة ملايين، وهذا الرقم لا يضع البرازيل في المقدمة على دول أمريكا اللاتينية، ولذلك فهي من خلال تنظيم المونديال تسعى إلى الوصول إلى الدولة اللاتينية الأولى من حيث عدد السائحين.
لقد أنفقت الحكومة البرازيلية 22.46 مليار دولار على إعادة هندسة البنى التحتية في البلاد، ومن المتوقع أن تحقق من وراء البطولة خمسة أضعاف هذا الرقم بما يعادل 112.79 مليار دولار زيادة في الاقتصاد البرازيلي، ويتوقع أن يوفر المونديال 3.63 مليون فرصة عمل إضافية.
إضافة إلى ذلك هناك جوانب غير اقتصادية تتحقق للدول المنظمة لمونديال كأس العالم مثل التقدير الدولي، والاهتمام الإعلامي العالمي بالشأن الوطني، حيث تصبح الدولة المنظمة محط أنظار الإعلام العالمي بشكل ليس له نظير في أي مجال من مجالات الحياة.
ومما سبق يتأكد لنا أن تنظيم مونديالات كأس العالم لم يعد مجرد احتفالية رياضية، بل أصبحت بالفعل وسيلة من وسائل تحقيق وتسريع مشاريع وبرامج التنمية المستدامة في الدول المنظمة، ولقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن المونديالات وثقت العلاقة بين الرياضة والاقتصاد، وأثبتت أن الرياضة لم تعد من أجل الرياضة وتزجية أوقات الفراغ، بل الرياضة من أجل التنمية المستدامة وتعظيم الأموال والأرباح.
وإذا شئنا أن نصل إلى النتائج الحقيقية لتنظيم مونديال 2014 على الاقتصاد البرازيلي، فإنه يتعين على الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" أن يكلف بيت خبرة لدراسة المشاريع التي تم تنفيذها في المدن البرازيلية من أجل إقامة المونديال ومدى تأثيرها على مستويات الاقتصاد البرازيلي في الخمس أو العشر سنوات المقبلة.
إننا نتمنى أن يأخذ "فيفا" هذا الموضوع بجدية، لأن علاقة تنظيم المونديالات بتنفيذ وتسريع مشاريع التنمية المستدامة في الدول المنظمة للمونديال باتت من القضايا المهمة التي دخلت حلبة المنافسة بين الدول التي تتطلع إلى تنظيم المونديالات.