البنزين يلعب دوره في قيادة سوق النفط ويصعد بالأسعار
يتوقع لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" أن تستمر في سياسة تحجيم الإمدادات إلى السوق حتى تستقر الأسعار في نطاق بين 65 إلى 70 دولارا للبرميل، قبل العودة مرة أخرى إلى إعادة النظر مرة أخرى في وضع الإمدادات وزيادة حصص الدول الأعضاء المعلقة في الوقت الحالي.
جاء هذا في تقدير لشركة سوسيتي جنرال الفرنسية، في إطار تقييمها لوضعية السوق الراهنة، التي تتميز بحالة من نمو في الطلب وتراجع في الإمدادات من قبل المنتجين خارج أوبك، وذلك في الوقت الذي بدأ البنزين يلعب فيه دوره لقيادة السوق والاتجاه إلى تصعيد الأسعار خاصة مع تراجع حجم المخزونات الأمريكية من البنزين للأسبوع السابع على التوالي، في الوقت الذي تتهيأ فيه السوق إلى بدء موسم قيادة السيارات مع بدء فصل الربيع الذي يعقبه الصيف. ثم إن المصافي الأمريكية التي انتهى معظمها من إكمال عمليات الصيانة بدأت تتجه إلى السوق بصورة أكبر للحصول على الخام الذي ستقوم بتكريره لمقابلة الاحتياجات، لكن المعروض لا يكفي الطلب فيما يبدو، الأمر الذي وضع ضغطا في جانبي النفط الخام والمنتجات المكررة، إضافة إلى علامات الاستفهام السياسية المعلقة فوق إيران، نيجيريا، والعراق وكلها دول منتجة رئيسية، ولها دورها في تشكيل سياسة "أوبك".
المؤشرات كانت واضحة خلال الأسابيع الماضية، حيث استقر سعر "ويست تكساس الوسيط" عند متوسط يتراوح بين 57 و62 دولارا للبرميل، كما حافظ خام برنت على علاوة إضافية تتراوح بين دولار ونصف الدولار إلى ثلاثة دولارات في البرميل، وهو ما يرجعه المحللون بصورة رئيسية إلى ملامح شح في الإمدادات.
ووفقا للتقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الصادر الشهر الماضي، فإن معلوماتها الأولية التي قامت بتجميعها تشير إلى أن قيام "أوبك" بتقييد إنتاجها، وفترة البرودة في الجو التي ضربت الجزء الشمالي من الكرة الأرضية في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين أدت إلى أن مجموعة الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون لجأت إلى مخزوناتها للسحب منها، الأمر الذي أدى إلى تراجع في تلك المخزونات بنحو 1.26 مليون برميل يوميا خلال فترة الشهرين الأولين من هذا العام، الأمر الذي يضع احتمال أن يشهد الربع الأول من هذا العام أكبر عملية سحب من المخزون في خلال فترة عقد من الزمان.
ويلعب معدل السحب ومستوى المخزون خاصة بالنسبة للبنزين والديزل دورا في تحديدا اتجاهات الأسعار تماما مثلما حدث خلال الصيف الماضي. وهاتان الظاهرتان، أي التراجع الكبير في حجم المخزون وعكس دورة بناء المخزون يمثلان مصدرا للقلق. فمنطقة حوض الأطلنطي تعمل عادة خلال الربع الأول على بناء مخزوناتها استعدادا لفصل الصيف وموسم قيادة السيارات الذي يميز الساحة الأمريكية، عقب الانتهاء من أعمال الصيانة السنوية التي تقوم بها المصافي. على أن هذا العام سيشهد وعلى غير العادة تزامن أعمال انتهاء الصيانة في الوقت الذي تسجل فيه مخزونات المنتجات المكررة والنفط الخام معدلات متدنية.
وأبلغ بول هورسنيل من مجموعة باركليز كابيتال النشرة النفطية المتخصصة "ميس"، أن وضع البنزين وحده ليس كافيا لتفسير المزاج السائد في السوق، وإنما هناك نمو في الطلب بصورة عامة وفي كل المجالات. وفي الوقت الذي لا يشهد فيه الطلب تباطؤا فإن المنتجين خارج "أوبك" لا يوفرون كميات إضافية إلى السوق التي تحتاجها وبالسرعة المطلوبة.
وفي تقدير للمجموعة فإن الطلب يتوقع له هذا العام أن ينمو بمعدل 1.38 مليون برميل يوميا إلى 86 مليون برميل يوميا خلال هذا العام، بينما ستكون الإمدادات الإضافية من خارج "أوبك" في حدود مليون برميل فقط إلى 50.5 مليون، وفي هذا الوضع فإن الطلب زاد على نفط "أوبك"، لكن قراراتها الأخيرة ظلت مطبقة إلى حد كبير وكأنها تهدف إلى تقليص حجم المخزون لدى الدول المستهلكة بصورة كبيرة. ويتوقع بالتالي استمرار هذه السياسة وأن تتواصل طوال الربع الأول من العام بما لا يسمح ببناء المخزون مرة أخرى خلال الربعين الثاني والثالث من العام.
ويضيف هورسنيل أنه مع استمرار الطلب بالمعدلات التي كان عليها عامي 2005 و2006، وسياسة "أوبك" الهادفة إلى تحجم الإمدادات، فإن سعر البرميل سيحدد بصورة ما عبر حجم الإمدادات المتدفقة من المنتجين خارج المنظمة. وهذه تبدو محكومة بواقع الحال، ففي التحليل النهائي فإن زيادة من بعض المنتجين من خارج المنظمة أمثال البرازيل، كازاخستان، السودان، وكندا تحديدا سيقابلها تراجع في الإمدادات من بحر الشمال والمكسيك من الناحية الأخرى.
وبالنسبة لجوليان لي من المركز الدولي لدراسات الطاقة في لندن، فإن السوق أصبحت مدفوعة بحالة الإحساس أن هناك حالة من الشد فيما يختص بوضع العرض والطلب، وأبرز ملامح هذه الحالة ما تشهده سوق البنزين وإمداداته. ويضيف أنه يعتقد أن المخزونات تراجعت بصورة كبيرة وعميقة لم تقدرها "أوبك" حق قدرها، وذلك بسبب الطقس ووضع المصافي، إلى جانب قيام المنظمة بإنجاز برنامج الخفض الإنتاجي بصورة جيدة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى أن تسحب من السوق كميات أكبر مما يتطلبه الوضع لموازاة العرض بالطلب، وأسهم بالتالي في دفع الأسعار إلى أعلى، وهي حالة مرشحة للتفاقم بسبب التدافع والتنافس بين أصحاب المصافي الأمريكيين وبقية العاملين في السوق للحصول على الخام. وفي ظل هذه الظروف، فإن فصل الصيف يرشح له أن يدفع باتجاه المزيد من الطلب على النفوط الخفيفة وتلك المرتبطة بتسيير وسائل المواصلات، ويمكن بصورة عامة القول إن وضع الديزل يشهد ضغوطا أكثر من البنزين.
المركز الدولي في توقعاته الخاصة بالعرض والطلب تبنى موقفا أكثر تحفظا مما سارت عليه الوكالة الدولية للطاقة وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إذ وضع تقديرات الزيادة في حدود 1 في المائة في الوقت الذي تبنى الآخرون نسبة زيادة تصل إلى 1.8 في المائة. ومن ناحية ثانية وفيما يتعلق بالعرض، فيقول إن النظر إلى فترة الخمس سنوات الماضية مثلا تشير إلى بروز بعض العوامل التي تؤدي إلى تقليص في حجم الطلب بسبب عوامل مثل الطقس والتأخير في إنفاذ بعض المشاريع، الأمر الذي يؤدي إلى سحب نحو نصف مليون برميل يوميا من السوق.