السعودية ومصر .. تاريخ من المواقف
عندما توجه جمال عبد الناصر الرئيس المصري الراحل للخرطوم لحضور القمة العربية التي أعقبت "نكسة 67" وسُميت قمة "اللاءات الثلاثة"، كان يتوقع شماتة سعودية بمصر بفعل الهزيمة، وفرحة من الملك فيصل ــ رحمه الله ــ من جرّاء خسارة جمال الحرب.
وتأتي توقعات جمال لتلك الشماتة المنتظرة لأنه كان يخاصم السعودية ويصفها بالدولة "الرجعية"، لكن ما حدث في القمة أذهل عبد الناصر، فبدل الشماتة وجد موقفا سعوديا قويا داعما لمصر، فوفق مذكرات أنور السادات "البحث عن الذات" فوجئ عبد الناصر بأن من كان يقدمه كخصم غدا أمامه أصدق الأصدقاء ألا وهو الملك الفيصل، الذي دعم مصر بـ 50 مليون جنيه، وهو رقم ضخم في ذلك الوقت.
السعودية لا تقف مع مصر "حزبيا" أو حكوميا، فهي تقف معها كدولة وشعب، ولا تهتم بأمر "الحاكم" حتى وهي تختلف مع نهج وسياسة "الإخوان"، دعمت مصر بالمليارات في ظل رئاسة الرئيس الأسبق المعزول بأمر الشعب محمد مرسي.
طوال التاريخ والسعودية هي الداعم الأول لمصر الدولة والشعب لا الحكومة، ويتعاظم الدعم عندما تكون مصر في خطر كما حدث في حرب إسرائيل 73، عندما قدمت الدعم المادي والسياسي الكبيرين وقطعت البترول عن أمريكا جراء دعمها لإسرائيل في الحرب.
لم نعايش فترة حرب 73، لكن المخضرمين يقولون إن دعم السعودية لمصر في هذه المرحلة التي أعقبت عزل مرسي بأمر الشعب لا يقل عن دعمها لمصر في تلك الحرب.
الجميع يتذكر كيف كانت لهجة أمريكا والاتحاد الأوروبي قبل خطاب خادم الحرمين القوي وكيف تغيرت بعد الخطاب. السعودية لم تبخل على مصر لا بالمال ولا بالدبلوماسية، بل زادت واختلفت مع حليفها القوي "أمريكا" من أجل دعم استقرار مصر، وهو الخلاف الذي وصفته بعض الصحف العالمية بـ "القطيعة".
من أجل مصر الدولة والشعب.. السعودية يمكن أن تضحي بأقرب حلفائها وتقاطعه كما فعلت مع أمريكا مرتين، لأنها تدرك حجم مصر وتدرك تاريخها ومكانتها في العالم العربي، ففي قوة مصر قوة للعرب وفي ضعفها ضعف للعرب.
أيضا يجب ألا نغفل عن مواقف مصر مع السعودية ونصرتها دوما، ففي عام 1990 وعندما تعرضت السعودية للتهديد من قبل القوات العراقية كان الجيش المصري أول الداخلين إلى الأراضي السعودية دفاعا عنها.
السعودية لا يجمعها بمصر المصالح ولا تبنى علاقتهما مع بعض عبر الدبلوماسية المنغمسة في المجاملة، والكذب أحيانا، فهما كالجسد الواحد ما يضر أحدهما يضر الآخر، وما يفرحه يفرح الآخر.