لماذا فازت هولندا؟

هذا ليس تحليلاً رياضيا، لكن تصور للحالة النفسية التي هي أهم عنصر عند أي لاعب.
الطريقة الوحيدة التي تتيح لأي إنسان فرص الفوز هو أن يكون راضيا مقتنعاً سعيداً بما يعمله، بما يؤديه من واجبات يراها هو فرضا على نفسه قبل أن ينصحه أو يوجهه أحد، أو أنها مغروسة طبعا أو ظرفا زمانيا أو مكانيا في هذا الإنسان ويأتي من يدركها وينقّب عنها ثم يفجرها طاقة عملٍ من مولدٍ لا يهدأ. عندما يفقد الإنسانُ أيّا من تلك العناصر، يضيع، ويتوه، ويرى أنه يجري بلا هدف، بلا غاية، منزوع الحماسة.. فيكون خامةً جاهزة للانهزام.
تعاني إسبانيا تمزقا شديدا في هويتها الوطنية، وهناك كراهية مناطقية بين مناطق وأخرى، فبعض المناطق في إسبانيا تطالب بالاستقلال من إسبانيا وهي إسبانية دهرا، حتى أنه بلغت بها الحماسة لكره الأمة الإسبانية ومقاطعة اللغة الإسبانية واتجهوا لاستخدام لغتهم المحلية، وهذا أكبر ما يشير للانفجارات المصيرية لأي أمة. إسبانيا كأس تحملها يد مرتجفة، ولا نعلم إلى متى ستبقى هذه الكأس محمولة، أو تسقط وتتطاير شذرات لن تلتئم.
هولندا دولة صغيرة، وهم فخورون ببلادهم متمسكون بها. فهولندا غريبة جغرافيا فهي أخفض من سطح البحر، وكان يمكن أن تغرق من زمان، لولا همة وذكاء وقوة الحماسة في قلوب الهولنديين، فبنوا قناطر بهندسة بنائية ومعمارية وهيدروليكية لم يسبقهم إليها أحد فأنقذوا أرضهم، وهم لم ينقذوها فقط، بل جعلوها أجمل مسطحات أرضية في العالم. فأنت تسير في طرق هولندا مفروشة أمام مدى نظرك أجمل ما يمكن أن تتخيله من صفوف الزهور بكل الألوان والمسطحات العميقة الخضرة، وجعلوا هولندا متفوقة صناعيا، حتى إنها شاركت في الحركة الاستعمارية الكبرى فكانت لها جزر الهند الشرقية (إندونيسيا وتوابعها) وهم خبراء بحار، وأكبر متخصصي دفن الأراضي البحرية وتعميقها. فخرُ الهولندي ببلده تراه في من ستقابل منهم، وستسمع من سيقول لك: "نحن متفردون، أذكى شعوب العالم، ونملك أكبر القلوب التي تحب العالم" مقتبسين لها من شعر هولندي متداول.
في الملعب في البرازيل في أول منافسة بين هولندا وإسبانيا توقع كثير فوز إسبانيا. الذي حصل أنهم دخلوا بنفسيات متخاذلة لا تحمل حبا ولا انتماء لما يعملون لأنهم ليسوا راضين. لم يكن شافي إلا شبحا تائها في وسط الملعب، وانتقلت الشبحية المهزومة مسبقاً إلى باقي الفريق.
دخل الهولنديون بنفسية الفاتحين، تحملهم روح حماسة الانتماء القوي لهولندا.. ونسوا تماما أنهم ينتمون لفرق مختلفة.. لم يكن أمامهم إلا الزهرة والطاحونة والهولندي الطائر ففازوا.
هل ستعود إسبانيا للفوز؟ احتمال كبير، ولا أرى حاليا إلا أن ينجح المدربُ في بث الروح فيهم، ولو عن طريق الفردية بأن يلعب كل منهم لسمعته ولتاريخه.. ولسعره في السوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي