احتياطي النفط الصخري
منذ بدء إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل بضع سنوات، والإعلام العالمي لا يفتأ يتحدث عن كل صغيرة وكبيرة، وكل خبر يتعلق بهذا الحدث الجديد، رغم أنه ليس جديدًا في مفهوم الصناعة النفطية، إلا أن خبراً جديداً ولافتاً للنظر، سنورده في نهاية المقال، لم تهتم به وسائل الإعلام. وتتضارب الآراء حول تحديد كميات احتياطي النفط الصخري، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في بقية دول العالم. وتحسمها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فتعلن قبل عدة سنوات أن الاحتياطي العالمي يقارب 345 مليار برميل، وهو رقم تقريبي بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. ولو يعلم المرء كم من الجهد ومن الوقت والحسابات ونتائج عمل المختبرات التي نحتاج إليها حتى نقدر احتياطي حقل واحد من النفط التقليدي على وجه التقريب، وبعد حفر عدد من الآبار الاستكشافية، لذهِل من قبول مقدار احتياطي النفط الصخري بمجرد نظرة عابرة على الخريطة. فليس هناك مجال للمقارنة، ومع ذلك فقد تم قبول ذلك الرقم السحري للصخري. ونحن هنا لا نقلل من قيمة التخمين، فقد يكون قريباً من الصحة. والاحتمال قائم بأن يكون احتياطي الصخري ضعف تقدير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. والطريقة الوحيدة التي تعطي نتائج أفضل وأقرب إلى الواقع هي الإنتاج لسنوات طويلة، وهو ما يوفر معلومات دقيقة وتحديداً لأبعاد الحقل أكثر وضوحاً. ومن الدول التي يذكر التقرير احتياطيها من الصخري بكميات كبيرة، الصين وروسيا وأستراليا والبرازيل والأرجنتين وليبيا. ولن تكون مفاجأة لأحد لو أن السلطات المعنية في أي دولة وجدت صعوبة في إنتاج النفط الصخري لعوامل جيولوجية أو فنية أو اقتصادية. وقد يغير ذلك سلباً من تقدير الاحتياطي المقدَّر سابقاً ويظهر تقدير جديد. وليس هناك أيضا ما يمنع من أن تكتشف دول أخرى احتياطيات جديدة للنفط الصخري، لم تكن مذكورة في التقرير الأول الذي يتضمن 41 دولة. والعبرة ليست بحجم وضخامة الموجود في الطبيعة، وإنما بإمكانية إنتاجه اقتصادياً. فعلى سبيل المثال، استطاعوا في أمريكا إنتاج النفط الصخري بتكلِفة 60 إلى 80 دولارا للبرميل. بينما سعر بيع البرميل هناك يتراوح بين 90 و100 دولار. ولكن يجب أن يكون من المعلوم أن لأمريكا وضعا خاصا لا يتوافر في أي مكان آخر في العالم اليوم. ويتمثل ذلك في عوامل كثيرة، منها كون مالك الأرض له كامل الحرية في التصرف بالثروة الموجودة في أعماق أرضه، ووجود المئات من أجهزة الحفر والمعدات الثقيلة بأسعار مناسبة، والعمالة المدرَّبة الجاهزة، والعمق المتوسط للآبار، واختصار زمن حفر البئر إلى عشرة أيام بفضل الخبرة الطويلة، إضافة إلى تسهيل قوانين التلوث البيئي تشجيعًا لشركات الإنتاج، وهذه العوامل تجعل من شبه المستحيل على أي دولة أخرى أن تقوم بإنتاج النفط الصخري بالتكلفة نفسها، حتى تصل الأسعار إلى مستوى قد يكون في حدود 150 دولارا للبرميل.
ومهما قيل عن مستقبل الصخري فإن إمكانياته ستظل محدودة، نظراً لطبيعة إنتاجه التي تختلف جذرياً عن إنتاج النفط التقليدي من حيث الكمية وعمر الآبار. وعلى الرغم من الضجة التي تصاحب الآن إنتاج الصخري الأمريكي، فإن الخبراء، وليس سماسرة الاستثمار هناك، يتوقعون أن يصل الإنتاج إلى ذروته خلال بضع سنوات قادمة، بعد أن تبلغ كمية الإنتاج ما يقارب خمسة ملايين برميل، وهي دون شك هبة من الله لأمريكا التي كانت تتطلع إلى معجزة تنقذها من مضاعفة استيراد الوقود، ونعمة لنا في المملكة. فلولا الله ثم الصخري لكان إنتاجنا الآن فوق اثني عشر مليون برميل، وهو ما لا نود أن يحدث. فكفانا إسرافًا في الإنتاج الحالي. ولدى أمريكا احتياطي كبير من الصخر النفطي، أضعاف ما لديها من النفط الصخري، وهو أكثر تكلِفة وتلويثاً للبيئة، ويوجد معظمه على أو قريبا من سطح الأرض في جبال ولاية كلورادو. وسيأتي دوره عندما ترتفع الأسعار عن مستواها الحالي.
وقد تلقت أمريكا حديثًا أول صدمة عنيفة في مستقبل النفط الصخري، ولكنها لم تنل ما تستحقه من وسائل الإعلام. فقد أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أخيرًا خبرا مفزعا، وهو أن احتياطي النفط الصخري في ولاية كاليفورنيا الذي كان يقدَّر بما يقارب 15.4 بليون برميل قد هبط إلى أقل من بليون، لأسباب جيولوجية، ما يجعل إنتاجه غير اقتصادي بواسطة الوسائل المعروفة الآن. وقد اتضح ذلك للمختصين بعد الحصول على معلومات أكثر دقة، وهذا يعني هبوط الاحتياطي الأمريكي بنسبة كبيرة، ولكن لا نتوقع أن يؤثر ذلك في مستقبل إنتاج الصخري خلال السنوات القليلة المقبلة. وكثيراً ما نسمع عن مستقبل إنتاج الصخري خارج أمريكا، وما سيضيفه إلى الإنتاج العالمي، ولكن الأمر لن يكون بالسهولة ذاتها التي رافقت الإنتاج الأمريكي. فإنتاج الصخري في أمريكا يستخدم أكثر من 1500 جهاز حفر، وهي تمثل 50 في المائة من جميع أجهزة الحفر في العالم، ولم يصل الإنتاج بعد إلى أربعة ملايين برميل. فما هو يا تُرى مقدار إنتاج أي دولة أخرى بعشرات الحفارات وآبار أكثر عمقاً؟ وفي الغالب، يكون إنتاج البئر الواحدة أقل من 200 برميل في اليوم، ويتطلب تعويضا سنويا في حدود 40 في المائة، فقط للحفاظ على مستوى الإنتاج وليس إضافة له.