معلمون صينيون من شنغهاي
قالت وسائل إعلام كثيرة قبل أسابيع إن نحو 60 مدرس رياضيات صينيا من مدينة شنغهاي يستعدون للسفر إلى بريطانيا، حيث سيتم توزيعهم على 30 مركزا بهدف رفع مستوى الطلبة هناك في مادة الرياضيات، كما سيقومون أيضا بتدريب مدرسين بريطانيين على طرق وتقنيات صينية في تعليم مادة الرياضيات وتقديم توصيات للجهاز التعليمي البريطاني عن كيفية الارتقاء بتدريس مادة الرياضيات في المدارس.
ننظر إلى بريطانيا على أنها دولة متقدمة تعليميا، فلماذا استعانت بمدرسين من المدينة الصينية شنغهاي؟
يلاحظ أن دولا آسيوية كالصين وسنغفافورة وكوريا واليابان تحصل على أعلى المراتب بين دول العالم في نتائج اختبارات ومقاييس دولية لمستويات التعليم، وهذه النتائج تنشر بين حين وآخر. ونشرت جريدة "الاقتصادية" في عدد 12/3/ 2013 خبر أخذ تلاميذ الأقاليم الآسيوية الصينية مجددا صدارة قائمة نتائج أحدث اختبارات البرنامج الدولي لتقييم الطلبة والمعروفة اختصارا باسم (بيزا) وفقا للنتائج التي أعلنتها يوم الثلاثاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وجاء في المراكز الثلاثة الأولى تلاميذ منطقة شنغهاي الصينية ثم سنغافورة وهونج كونج وتايبيه. في المقابل جاء نظراء هؤلاء من تلاميذ ألمانيا في أعلى المنطقة المتوسطة في قائمة النتائج، فيما جاء تلاميذ سويسرا وهولندا بين المراكز العشرة الأولى.
وقال مسؤول التعليم في المنظمة أندرياس شلايشر لـ "رويترز" إن سر نجاح شرق آسيا هو وضع معايير مرتفعة في كل المدارس وتوفير السبل أمام تحقيقها. مقولة هذا المسؤول تلخص ما يجب على الآخرين عمله.
ماذا عنا؟
في اختبارات ومقاييس تقييم دولية تنشر بين حين وآخر، تحصل المملكة على نسبة متدنية نسبيا. ولوحظ أن دولا عربية ذات متوسط دخل أقل كثيرا من المملكة، لوحظ أنها تحصل على مراتب أفضل كثيرا من المملكة. على رأس هذه الدول الأردن وتونس. حقيقة، هناك شكوى عامة من ضعف مستوى خريجي التعليم، بمستوياته ومسمياته كافة. وقد نشر الكثير عن هذا. ولست هنا للتطرق إلى هذا الموضوع. وليس الهدف هنا استعراض أو تلخيص أو نقل شيء مما نشر.
هدف المقال هو ما عنونت به المقال. ما الذي يمنع أن نفعل ما فعله البريطانيون، بل أكثر منه لرفع مستوى التعليم عندنا؟
ومن المناسب أن أذكر بعض أهم ملامح وخصائص نظام التعليم في دول كالصين واليابان:
روح الجماعة والعمل الجماعي والنظام والمسؤولية
يركز النظام التعليمي في تلك الدول الآسيوية المتفوقة في مستويات التعليم على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى التلاميذ والطلاب تجاه المجتمع بادئا بالبيئة المدرسية المحيطة بهم، مثل المحافظة على المباني الدراسية والأدوات التعليمية والأثاث المدرسي وغير ذلك.
الجد والاجتهاد أهم
يُركز في تلك الدول على مبدأ "الجد والاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء". وهو على عكس ما هو معروف في كثير من الدول، ويتضح ذلك أيضا من كثرة استخدامهم في لغاتهم الكلمات التي تدل على الاجتهاد والمثابرة. ثقافة المجتمعات هناك تقوم على أسس منها أن النجاح، بل التفوق، يمكن أن يتحقق بالاجتهاد وبذل الجهد وليس بالذكاء فقط، فالجميع سواسية وخلقوا بقدر من الذكاء يكفيهم. فكل شخص يستطيع استيعاب ودراسة أي شيء وفي أي مجال وتحقيق قدر كبير من النجاح فيه من خلال بذل الجهد.
ثقل العبء الدراسي
عدد الأيام الدراسية وعدد الساعات في السنة في دول شرق آسيا عادة أطول عددا مقارنة بالدول الأخرى، حيث يبدأ اليوم الدراسي عادة للطلاب من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الرابعة تقريبا، أما المعلمون فعملهم حتى الساعة الخامسة تقريبا مساء. إضافة إلى ذلك تقل عدد أيام العطلات، فالعطلة الصيفية، مثلا، تراوح بين 40 و45 يوما.
حماس الطلاب وأولياء الأمور الشديد للتعليم
هذا الحماس ينبع من أو يعكس ثقافة وحضارة شرق آسيا بشكل عام وموقفها من التعليم. من ذلك تركيز الصينيين منذ القدم على أهمية التعليم. وتركز فلسفة حياة المجتمعات الآسيوية على تبجيل ذوي العلم والمعرفة، ويكون الولاء لهؤلاء ومن في حكمهم هو دعامة النظام. كما تؤكد تلك الفلسفة أهمية العلم والمعرفة والجد في طلبهما والعمل الشاق.
ارتفاع مكانة المعلم
يحظى المعلمون بمميزات مادية واحترام وتقدير ومكانة اجتماعية عالية. وهناك تهافت على شغل وظيفة معلم، لكن الحصول على هذه الوظيفة لا يتم إلا بعد اجتياز اختبارات قبول شاقة، تحريرية وشفوية. المقولة العربية تلخص النظرة للمعلم هناك: قم للمعلم وفّه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولاً.