سن التقاعد .. وتصحيح مخرجات التعليم والتدريب
تعتبر سن التقاعد من الموضوعات المطروحة للنقاش في كل المجتمعات الإنسانية، وسن التقاعد تحكمها ظروف كل دولة، ولذلك تختلف سن التقاعد من دولة إلى أخرى، فبعض الدول تذهب إلى التبكير بالتقاعد عند سن الـ 60 سنة، بينما دول أخرى تذهب إلى أعلى من ذلك وتحدد سن التقاعد عند الـ 70 خريفاً.
أمّا الجديد فهو أن بعض الدول اتجهت إلى إلغاء سن التقاعد وتركت التقاعد دون سقف، وقالت إن صحة وقدرة الشخص هي التي تحدد موعد التقاعد والخلود إلى الراحة، والقاعدة هي طالما أن المواطن قادر وراغب في العمل فإن كفاءته وخبراته هي التي تحكم استمراره أو تقاعده.
وفي المجمل فإن سن التقاعد تحكمها أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، فالدول التي تعاني البطالة، فإنها تأخذ بمبدأ التبكير بالتقاعد، أكثر من ذلك فإن الدول التي تعاني البطالة تذهب إلى تشجيع مواطنيها على التقاعد المبكر، ومعظم الدول النامية تأخذ بهذا المبدأ، لأنها تعاني ارتفاعا حادا في معدلات البطالة، بينما الدول الاسكندنافية التي غابت الخصوبة عند مواطنيها وغابت الولادات وانخفضت معدلات المواليد وأصبحت أغلبية الناس من الكهول، هذه الدول ألغت سن التقاعد وأعطت للإنسان حق الاعتزال عن العمل عند الضرورة الصحية.
نحن في المملكة العربية السعودية نمر حالياً بظروف اقتصادية واجتماعية تستدعي إعادة النظر في سن التقاعد، فالمعطيات الاقتصادية والسياسية تستوجب رفع سن التقاعد إلى أعلى من 60 سنة، وهناك أسباب موضوعية لرفع سن التقاعد.
إن المجتمع السعودي لا يعاني البطالة بشكلها الحاد الذي نعرفه في كثير من الدول النامية، وإنما يعاني عيوبا هيكلية في الموارد البشرية، بمعنى أن الطلب على العمالة الفنية مرتفع جداً، بينما العرض غائب وشحيح للغاية، كذلك فإن الطلب على العمالة الحرفية مرتفع جداً، بينما العرض منخفض للغاية، يقابل ذلك عرض هائل من العمالة السعودية التي تمتهن الوظائف الكتابية البسيطة يقابلها طلب محدود وقليل للغاية، ونتيجة لهذا الخلل في هيكل العمالة اتجه رجال وسيدات الأعمال إلى استقدام العمالة من الخارج التي تجاوزت الملايين من كل حدب وصوب.
إذن المطلوب -ونحن نبحث سن التقاعد- أن نصحح مخرجات التعليم والتدريب، بحيث نخرج الشباب والشابات الذين يطلبهم سوق العمل السعودي، ونبتعد عن تخريج الطلاب والطالبات الذين لا يحتاج إليهم سوق العمل السعودي.
إن الحوارات التي تدور في هذه الأيام حول سن التقاعد تستهدف التوصل إلى حل وسط، أي تتجه إلى رفع سن التقاعد إلى 65 سنة أو 62 سنة بدلاً من الإبقاء على 60 سنة.
ونعرف جميعاً أن متوسط عمر الإنسان السعودي لم يعد عند 65 سنة، بل أصبح -وفقاً لإحصاءات غير رسمية- عند 74 سنة، وهذا عامل من العوامل التي تشجع على رفع سن التقاعد إلى 65 سنة على أقل تقدير.
محافظ المؤسسة العامة للتقاعد محمد الخراشي يقول إن المؤسسة تدرس رفع سن التقاعد لموظفي الدولة من 60 عاماً هجرياً إلى 65 عاماً هجرياً، معللاً بأن 60 عاماً هجريا تعني 58 عاماً ميلاديا، أكثر من هذا فإن نائب محافظ المؤسسة العامة للتقاعد عبد الله العجاجي يقول إن المؤسسة رفعت إلى المقام السامي دراسة حول وجود مؤشرات خطيرة عن تدهور الوضع المالي لمؤسسة التقاعد، وقال إن الاشتراكات أصبحت لا تغطي المعاشات التي تصرف لحساب المتقاعدين العسكريين، ما اضطر إلى صرف الاشتراكات من حساب الاستثمارات، مؤكداً أن المؤسسة ستضطر أيضاً إلى تسييل بعض الأصول، ثم أشار إلى أن حساب المتقاعدين المدنيين أكثر أماناً في الوقت الحالي من العسكريين، ولكنه لم ينف عن حساب المتقاعدين المدنيين احتمالات تعرضه لأزمة مماثلة كتلك الأزمة التي يتعرض لها حالياً حساب المتقاعدين العسكريين.
وإزاء هاتين المشكلتين، مشكلة الاختلال في هيكل القوى العاملة، وبين قصور تدفقات المتقاعدين، فإن رفع سن التقاعد بات ضرورياً بكل المقاييس.
وفي ضوء ذلك فإن مجلس الشورى تداول هذا الموضوع المهم وأصدر توصية بدراسة رفع سن التقاعد إلى 62 سنة بدلاً من 60 سنة، وأتصور أن مجلس الشورى في أمس الحاجة إلى دراسة رفع سن التقاعد إلى 65 وليس 62 سنة، لأن 60 عاماً هجريا تعني 58 عاماً ميلاديا وفقاً للتصريح الذي أدلى به محمد الخراشي محافظ المؤسسة العامة للتقاعد.
إن المشكلة التي تمر بها المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ضخمة وليست بسيطة، لأن عدم قدرة المؤسستين على صرف معاشات التقاعد -لا سمح الله- يتسبب في كارثة تجتاح هؤلاء الذين يعيشون على عوائدهم التقاعدية.
وإزاء مناقشة قضية رفع سن التقاعد، فإن المطلوب من المؤسسة العامة للتقاعد أن تجري دراسة علمية تتناول فيه الأسباب الموضوعية لرفع سن التقاعد إلى 65 سنة، مع ضرورة أن تحدد الدراسة حجم الوفورات التي يمكن أن تتمخض عن رفع سن التقاعد إلى 65 سنة.
ونحن في انتظار هذه الدراسة نتمنى أن يصل -من ناحيته- مجلس الشورى إلى قرار يتناسب مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها الوطن وتمر بها المنطقة برمتها.