مصيرنا.. إلى أين؟
.. دعاني شباب نابهون لجلسة "عادية"، وصفها المهندس عادل السبيعي المختص بديناميكا الهواء ضاحكا: جلسة بدون بشوت!
تحلقنا تربطنا أفكار قوية بمجالات تكلمنا حولها واستغرقنا حتى أن أكواب قهوتنا بقي معظمها باردا لم يُلمس، وبقي سؤال يستدرجوني للحديث عنه، فهم يعرفون عدم ميلي للخوض في السياسة، لأني لا أؤمن بأي حل إلا ببناء فكري تحتي للأفراد وللمجتمع حتى يستطيعوا أن يجدوا الحلول. يعني تبني المعرفة كقاعدة ذهنية ليقوم كل فرد، أو مجموعة، أو مجتمع بإيجاد الحلول. والسؤال: "حروب هنا تتوالد، فليبيا صارت تتمخض معارك وخلافات وقتالا لا ينتهي، وظهور مشاهد مخيفة تضيف رعبا إلى رعب في المسألة السورية، أطراف عطشى للولوغ في الدم، وطفيليات تسفح الدم تحت أي عنوان. فإلى أنى تسير المنطقة؟ بل أين يسير العالم؟".
وكان لا بد أن أجيب عن السؤال بما أؤمن به بالبناء المعرفي الذي سيجعل كل شخص منهم يستحضر فهماً خاصّاً لما سيئول إليه العالم، والأهم ما دوره هو من موقعه ليسهم في تحقيق مستقبلٍ أقلّ قتامة من المشهد الحاضر. فكان الجواب:
هل هناك محركٌ للتاريخ؟ كيف يعمل، بل كيف يبدأ، وأين ينتهي؟ سؤال شغل الفلاسفة الكبار من القديم، ثم سطع كانفجار ضوء في القرن السابع عشر ليومنا هذا. فلنبدأ بتوماس هوبس Hobbes، الذي يقول إن الإنسانَ ستمتدُّ حضارتُه وستزدهر كلما نمت عنده غريزة البقاء بمهارات تتطور عبر العصور، وإن العالمَ سيؤول للخراب والنهاية متى ضعفت هذه الغريزة، أو استندت إلى شيءٍ خارجها ليكون عنها بديلا. بينما كارل ماركس بنى فكرته عن التطور المستقبلي في صراع الطبقات وأن الطبقة العاملة هي التي ستنتصر في النهاية وتقود العالم للتطور لأنها ستأتي بالعدل والسلام والمساواة، وعبر عنها بالبروليتاريا، وهي مجاميع القوى العُمّالية في الأمم، فانبثّت فكرة الشيوعية الأممية وتلقفها وآمن بها كثيرون منهم زعماء وثوريون، فدخل العالم الصراعَ الكبير الذي أدى إلى الحرب الباردة بين ما يسمى العالم الحر ــ أمريكا وربعها ــ وبين دول الستار الحديدي ــ كما وصفهم تشرشل البريطاني ــ وهي الاتحاد السوفياتي ومن دار في فلكه من دول شرق أوروبا. وكان ماركس يعتقد مع زميله إنجلز، الذي كان أقل حدة منه وأعمق فكرا، أن العالم سيتوحش وينتهي لو فازت الرأسمالية، ويعتقدان أن سببَ الحروب هو الفكر الرأسمالي ولو كان معنويا كالصراع على الكراسي والعروش، ووضحها أكثر من مفكر ألماني ونمساوي بعدهما خصوصا لما اعترضوا ضد نظرية فوكوياما الشهيرة بنهاية التاريخ. الغريب ــ ولا تضحكوا الله يخليكم ــ لأن الموضوعَ جاد جدا عندما نتعرض لفيلسوف ألمانيا الفخم "هيجل"، هيجل كان يعتقد أن التاريخ وقف وانتهى وقفل دكانه ومشى في عام 1806. والأعجب أن نيتشه الرهيب كان معجبا بنابليون ويراه السوبرمان الذي يدعو إليه ــ مع أن بونابرت عدو ألمانيا ــ بأن العالم ينتهي عند الرجل الخارق نابليون.
وعلى عكس الشيوعيين الأمميين رأى فوكوياما بعد سقوط جدار برلين أن العالم انتهى بفوز مُخلَّد للرأسمالية، ولما عورض بدليل الثورات العربية، كتب رسالة بأن بداية نهاية التاريخ تبدأ الآن في الدول العربية التي ستنتهي لاعتناق الرأسمالية والليبرالية الغربية.
ويبقى التصور الديني وهو الأهم، بأن الله سيرث الأرض وما عليها، والحياة سائرة لنهاية قدرية محتومة، مهما تمخضت عنه الأيام.
ونسأل الله في زمننا هذا أن يتعقل كبار اللاعبين في المنطقة لدرء الأخطار الداهمة، ولا أقول خوفا على الناس أو العالم أو المنطقة.. بل أولا على أنفسهم.