الوعي الذي نحتاج إليه
فرق بين أن نحتاج إلى شيء وأن نريده، فما نحتاج إليه يمثل ضرورة لا غنى عنها ولا بد من توفيره، وما نريده يعكس رغبة قد لا تمليها ولا تفرضها حاجة. تأملت في مجتمعنا متسائلا: ما الذي نحتاج إليه ويمثل حاجة ملحة تستوجبها مصلحة المجتمع والوطن سواء في هذه الفترة من الزمن الذي يعج بالكثير من التغيرات الهادئ منها والحاد، المتدرج، والمفاجئ، الذي لا يعطي فرصة للتأمل ولا للتفكير، أو في المستقبل الذي نجهل ما يمكن أن يحدث في زمن تكثر فيه المفاجآت، وتتغير فيه العلاقات السياسية، والتحالفات؟
مجتمعنا كغيره من المجتمعات تمر به ظروف وتقع فيه حوادث، لكن الملاحظ أن أثر الظروف والحوادث أقوى مما لدى الآخرين، ولو أخذنا حوادث المرور، على سبيل المثال لا الحصر، لوجدنا أن نتائجها كارثية إذا ما قورنت بحوادث المرور التي تحدث في مجتمعات أخرى، وإحصائيات الوفيات والإعاقات أبلغ دليل على ذلك، كما أن الأضرار الناجمة عن السيول مفجعة وكارثية إذا ما قورنت بما يحدث في أوطان أخرى، رغم أن نسبة ما ينزل من أمطار لدينا لا تقارن بكمية الأمطار التي تنزل عليهم، ويمكن القياس على هذه أشياء أخرى.
ترى ما السبب؟ هل هو قلة وعي وقلة إدراك لأهمية الحياة وأهمية الوطن الذي نعيش بين جوانبه ومنجزاته التي يفترض أن نحافظ عليها، أم أن الأمر مرتبط بضعف معرفي ذي طبيعة تخصصية، ونقص في المهارات الإدارية والفنية، التي تظهر آثارها عند مباشرة العمل لمواجهة الأزمات التي تحدث هنا أو هناك؟
الوعي الذي نحتاج إليه ومن خلاله وبه يمكن معالجة المشكلات كافة التي نواجهها، هو أن يشعر الجميع بأن الوطن للجميع يتشاركون فيه بسواسية، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم من الواجبات، إذا تمكنا من غرس هذا المفهوم عند الجميع سنجد أن الجميع ما عدا الاستثناء يسارعون في تحمل المسؤوليات، ويطورون أنفسهم بهدف خدمة الوطن على أحسن وجه، بدلاً من العمل وفق مفهوم الحد الأدنى الذي يلاحظ على البعض. الدافع للإنجاز أحد محركات السلوك ومنشطاته وموجهاته الوجهة السليمة، لكن دافع الإنجاز يكون ضعيفاً متى ما شعر الفرد بضعف الانتماء سواء للمؤسسة التي يعمل فيها أو للوطن بصورة أشمل.
غرس المفهوم ليس بالأمر الهين ما لم يشعر الجميع بأنهم سواسية أمام القانون، وأن خيرات الوطن للجميع يلمسون آثارها في المرافق الصحية التي يتعالجون فيها، وفي المدارس التي يتعلم فيها أبناؤهم، وفي فرص العمل، وفي المساكن التي يشعرون بالأمان في العيش فيها. قد يدرس الناشئة قصيدة عصماء تحرك مشاعر الولاء للوطن، أو نصاً جميلاً مسجوعاً ذا كلمات منتقاة لكن أثرها لا يلبث أن يزول، فالأثر الأقوى لما يلامس حاجات الناس ومصالحهم، وهذه طبيعة البشر، فهم في الغالب يتحيزون لمصالحهم، لذا لا يمكن أن يتحقق انتماء مجرد من مصالح حاضرة أو مرتجاه.
أنشطة الوعظ بشأن الانتماء مهما كثر الحديث بشأنه، تتبخر آثارها بسرعة ولا يتحقق الوعي الحقيقي الذي ننشده على سلوك الفرد وتصرفاته، بحيث يعتبر المرفق كما لو أنه ملك خاص له يحافظ عليه كما يحافظ على أي ممتلك خاص.