في ليلة الـ 28 من رحيل والدي
في مثل هذا اليوم وتحديدا في التاسع من نيسان (أبريل) الماضي، وعند الساعة الحادية عشرة صباحا طلب "حليبا" وشرب حتى ارتوى.. سأل عن ابنه البكر "بجاد" وكأنه يريد أن يوصيه، وعندما لم يجده استقبل القبلة ونطق بـ "الشهادة" قبل أن يضع يده تحت خده الأيمن لتتوقف بعدها أنفاسه وينام النومة الأخيرة.
قبل وفاته بساعات حطت طائرته القادمة من ألمانيا في مطار الملك خالد، كان في استقباله جميع أفراد الأسرة.. أبناء وأحفاد.. لم يتخلف أحد.. في صالة المطار استقبلناه بالورد ولم نكن نعلم أننا اجتمعنا لوداعه لا استقباله.. كان الاجتماع واللقاء الأخير.. وكانت النظرة الأخيرة.
كان سعيدا جدا وهو يداعب أحفاده، لم تفارقه الابتسامة رغم عناء الرحلة وتعبها، كان عطوفا حنونا كعادته، كان يسأل عن أحوالنا وأحوال أبنائنا مخفيا ألمه ووجعه، احتضننا واحدا واحدا.. وكان الاحتضان الأخير.
في "إنستاجرام" وقبل أشهر وضعت صورته وكتبت "هذا الرجل يمثل لي كل شيء"، لم أبالغ وأنا أصفه بـ "كل شيء"، بالفعل هذا ما كنت أشعر به وأنا طفل واستمر معي حتى صرت "أبا" وأصبح هو "جدا".. وعندما "مات" مات معه "كل شيء".
رحل أبي.. رحل أبو بجاد.. رحل من كان يكنى بين الأقارب والجيران بـ "المطوع".. رحل سمح السجية طاهر النية.. رحل نقي السريرة دمث الخلق.. رحل الشيخ صادق الدعوات.. رحل القلب الحنون والوالد العطوف ورحل معه كل شيء.
في ليلة الثامن والعشرين من رحيلك لا شيء يا أبا بجاد.. لا شيء سوى غصة في "الحلق" وحرقة في "الصدر" ودمعة أحاول قهرها.. لم يتغير شيء منذ رحيلك.. لم يتغير شيء.. مجرد فراغ "قاتل" أحدثه فراقك وأجزم أن من في الكون كله لا يستطيع أن يملأه.
في ليلة الثامن والعشرين من رحيلك لم تمت يا أبا بجاد فما زلت حيا في قلوبنا لا تموت.. لم يتغير شيء منذ رحيلك، فطيفك نشاهده في كل ركن من منزلك.. لم يتغير شيء يا أبا بجاد منذ رحيلك فما زلنا نتأمل خيالك بحثا عن "دفء" رحل معك.
في ليلة الثامن والعشرين من رحيلك لم يتغير شيء.. فما زلنا كما علمتنا وربيتنا صابرين راضين مؤمنين بقضاء الله وقدره.. لم يتغير شيء.. فقط عين تبكي وقلب يتألم لفقدك.. رحمك الله رحمة واسعة يا أنبل من عرفت.