رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عالجوا البحث العلمي قبل أن يأتي لـ «كورونا» ولد

لعل هذا هو جوهر الموضوع في "كورونا"، لا أحد في العالم يعانيه غيرنا، حتى دول الجوار، لذلك لم تهتم به المنظمات العالمية أو تسعى لإيجاد مخرج أو علاج ناجع له أو حتى البحث في أسبابه، انتظرنا مراكز البحث في العالم أكثر من عامين واكتشفنا في النهاية أننا فقط من عليه أن يقوم بهذه المهمة، ولعل "كورونا" كشف مقدرتنا على حماية أنفسنا بأنفسنا. فمنذ أن عرفنا الصحة والمستشفيات، وكل دورنا هو تلقي العلاج من الآخرين، نطور المستشفيات ليعمل فيها الآخرون، نبني الجامعات وكليات الطب ليتدرب أبناؤنا على أيدي أساتذة من الخارج، وحتى إذا ما نبغ منا في الطب نابغة فهو في أحسن الأحوال جراح يطبق ما تعلمه في جامعات العالم الأخرى، لكنه لن يتعدى ذلك، أن "كورونا" مشكلة "علم"، مشكلة "بحث"، مشكلة الجامعات السعودية، وكليات الطب، مشكلة الباحثين، والأبحاث والدراسات والترقيات العلمية، إنه يمثل مشكلتنا العميقة في الفكر والبحث والفلسفة العلمية، واليوم نجني ثمارها بفقدان الثقة في أنفسنا ونحن نسعى وراء خبراء من دول العالم ليعينونا في فهم مشكلة «كورونا»، قبل حلها.
إذا جاز لي تعريف مرض كورونا فإنني سأقول إنه مرض البحث العلمي ومراكز الأبحاث، فلقد كشف "كورونا" إلى أي درجة نحن متخلفون عن الركب العالمي، فحتى اليوم التصريحات متضاربة بشأن أسباب المرض دعك من علاجه، وأفضل مصدر لنا هو "تويتر" للأسف، فمرة قيل لنا إنها الخفافيش، ومرة الإبل، وتخرصات في الصحافة الإلكترونية وصمت في المطبوعة، لا أصل علمي لكل تصريح ولا هناك مرجع ولا بحث ولا دراسة ولا فحص ولا مراكز أبحاث تتحدث. أين المشكلة في انتشار المرض؟ أين بؤرته؟ من أين بدأ؟ لا نعرف، ولا أعتقد أن هناك من يعرف. إننا فقط نعرف اسم المرض وأعراضه، وبينما نحن نحارب الأعراض إذا ظهرت، ونعلن بشفافية عن كل ذلك، نتجاهل عمدا أو جهلا الشفافية في مستوى الدراسات والأبحاث، فكم دراسة تم تمويلها حتى اليوم في هذا الموضوع، وأي المراكز العلمية تعمل في هذا المشروع، وكم الموازنة المخصصة له؟ لا نعرف، ولا أعتقد أن هناك من يعرف.
إن سبب الذعر الذي إن انتشر عن المرض، يعكس بكل وضوح وصدق مستوى الفوضى العلمية السائدة عندنا في الشأن الصحي "وسأكون منصفا جدا إذا قلت (وفي غيره)"، فهذا يقول إنه بسبب كذا، وإن العلاج في العشبة التي في مكان كذا أو في البخور الذي يباع عند العطارين، حديث ينتشر مثل النار في الهشيم تهبه رياح "الواتس أب" بين ربات البيوت، ثم تأتي القناة والمذيع المخضرم للحديث عن الموضوع بقدر الهشاشة العلمية التي لدي عنه، فأستمع حزينا قلقا، لموجات من التخويف، والتهويل، والإرجاف، لا سند علميا لها، لكن لا سند لدي ولا مصدر لأنفيها أمام أسرتي سوى تصريحات الوزير التي لم يقدم الواقع ما يشفع لها. وبينما أحاول أن أطمئن أسرتي تنظر إلي زوجتي عتبا أن أترك التنظير العلمي الذي جبلت عليه وأن أذهب للعطارين حالا لأجلب بعض ما اقترحه الناس، ولا داعي لأسال من هؤلاء الناس، الموضوع أهم من أسئلتي، حتى أصبح كل منزل يمثل مختبرا صغيرا للتجربة الطبية والأعشاب ومن ينجح في اكتشاف علاج يرسل على "الواتس أب" و"تويتر"، ولا تسأل هل كان في العائلة صاحبة التميز العلمي والاكتشاف المذهل مريض «كورونا» أم مريض بالنقرس، يكفي أن مع الرسالة قسَم عظيم، ودعوة أعظم إذا لم يتم نشرها، هذا هو حال العلم والبحث العلمي الذي وصلنا له، ولا عزاء لوزارة التعليم العالي.
وفي ظل هذه الفوضى العلمية العارمة التي أصابتنا، ولأننا فجأة أصبحنا علماء في الأمراض والصيدلة فقد أعلنت وزارة الصحة عن ترحيبها بكل من يدعي كشفا علميا أو لديه مشروع بحث في الموضوع، وأن يتقدم بعلاجه المبتكر للوزارة حالا، ولا أعرف هل أرسلت وزارة الصحة مثل هذا الطلب إلى الجامعات السعودية أم إنها تعرف "بقشتها" فلم ترهق نفسها بالسؤال. تعرف أن الجامعات السعودية لم توفر "ولن توفر" مراكز متخصصة للأبحاث، فقط قاعات محاضرات ومستشفى في أحسن الأحوال، وبينما يعاني المجتمع الأمراض التي تفتك به، ينشغل علماؤنا الأطباء بعدِّ الأموال في العيادات والمستشفيات الخاصة، وإذ نلومهم فإننا نعذرهم أيضا فلا أحد يهتم بالبحث العلمي، ولا تدفع الدولة ما يستحق عناء العمر الذي سيهدر فيه. وإذا سألت عن شركات الأدوية سأخبرك عن شركات تدفع في تغيير اسم الدواء من براسيتامول إلى ما تريد على أن ينتهي بـ "دول".
سينتهي "كورونا" -بإذن الله- وسيرفع الله هذه الغمة عنا، وأسأل الله ألا يصاب أحد على هذه الأرض الطاهرة بمكروه، لكن الحقيقة أننا في حاجة إلى مزيد من الإنفاق على موضوع البحث العلمي خاصة الطبي، وأن تشارك في ذلك جهات عدة مثل وزارة الصحة والتعليم العالي والدفاع والحرس الوطني والأمن العام، والقطاع الخاص، الجميع يجب أن يدعم البحث العلمي ومراكز الأبحاث في هذا الشأن، وإلا فإن "كورونا" سيتزوج ويلد له ابنا، وإذا كنا نصرخ من أذى أحمد، فقد يأتي لأحمد ولد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي