تغير وتغيير

تغير وتغيير

الجديد في قضايا الطاقة البديلة هو تصاعدها في سلم اهتمامات الرأي العام، خاصة في الدول الصناعية المستهلكة الرئيسية للنفط. ونظرة إلى الساحة الأمريكية توضح المعنى، فبعد جولته في أمريكا اللاتينية مطلع هذا الشهر التي تضمنت بين أشياء مختلفة الترويج لمصادر جديدة للطاقة مثل الإيثانول، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش بجولة له داخل الولايات المتحدة لفتت الأنظار بتركيزه مرة أخرى على برنامجه الهادف إلى خفض استهلاك الطاقة بنسبة 20 في المائة خلال فترة عقد من الزمان، كما أنه سعى خلال جولته هذه إلى بث رسالة أن تقليص اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي أمر مفيد للأمن القومي، ومن هنا تشجيعه ولو بالكلام فقط لمبادرات التركيز على تصنيع السيارات الهجين والتحول إلى مصادر جديدة للطاقة مثل الإيثانول، رغم ما يمكن أن يصحب مثل هذا التحول من تبعات كالتصاعد المتوقع في سعر الذرة الشامي الذي ينتج منه الإيثانول مثلا.
جولة الأسبوع الماضي التي غطت بعض المصانع التابعة لشركتي فورد وجنرال موتورز، سيعقبها هذا الأسبوع لقاء لبوش مع المديرين التنفيذيين لبعض قيادات شركات تصنيع السيارات للبحث فيما يمكن عمله. ولا يستبعد أن يركز هؤلاء على رغبتهم وطلبهم تقديم المزيد من الحوافز للإنتاج والقيام بالأبحاث، ولو أن بوش فيما يبدو يرسل إشارات على رغبته في تشديد المعايير الهادفة إلى تحسين أداء السيارات فيما يتعلق باستهلاكها للوقود من ناحية اقتصادية.
ومع أن مثل هذه اللقاءات تبدو روتينية، إلا أن الجديد فيها أن المناخ والمزاج السائد بالنسبة للرأي العام أصبح أكثر تقبلا للأحاديث والآراء التي ترى ضرورة الاهتمام بقضايا الطاقة البديلة. والجديد أيضا أن العديد من العناصر والعوامل التي ظلت وإلى حد بعيد ذات تأثير ضعيف فيما يتعلق بالنقاش حول الطاقة البديلة تقدمت لتحتل مكانا مرموقا في ساحة النقاش. فقضايا مثل التغير المناخي ودور الوقود الأحفوري فيه تجاوزت قاعات الأبحاث والحلقات الضيقة لجماعات البيئة إلى أن تصبح تيارا له أسنانه السياسية وتأثيراته في الرأي العام. ثم جاءت الحرب على العراق بكل تبعاتها وتزايد القناعة أن أحد الأسباب الرئيسية الدافعة لها النفط، وبما أنه نفط أجنبي فإن ذلك أعاد التركيز على التشابكات الخاصة بقضايا الأمن القومي والخيارات السياسية والاستراتيجية للإدارات الأمريكية المتعاقبة.
ونتيجة لهذا الوضع لم يعد للوبي الخاص بصناعة السيارات تلك القوة والمنعة على إضعاف الحملات التي تستهدفه كما كان الأمر سابقا. ويكفي أن ذلك اللوبي كان يجد في الإدارات الجمهورية ولأسباب تتعلق بالتوجهات والخلفيات حليفا سياسيا أكثر مما يجده لدى الديمقراطيين مثلا، لكن في الآونة الأخيرة بدأ التحالف المناوئ للصناعة النفطية يتسع ويضيف إليه شخصيات ومجموعات من عسكريين وأكاديميين وصناعيين، بل وحتى محسوبين على قطاع الطاقة، الأمر الذي لم تعد محاولة كسب أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب لصالح تشريعات من أجل الطاقة البديلة معركة باتجاه أعلى التل كما يسير التعبير الشائع.
ما الذي تعنيه هذه التحولات بالنسبة للدول المنتجة، خاصة الخليجية منها ذات الاحتياطيات الكبيرة التي تجعل من مصلحتها استمرار العالم معتمدا على النفط إلى ما شاء الله؟
ظل المنتجون متابعين للأحاديث والجهود المبذولة للتحول إلى ميادين الطاقة البديلة، خاصة عقب الصدمة النفطية الأولى في عقد السبعينيات، حيث تزامن نقص الإمدادات مع مضاعفة الأسعار أربع مرات. لكن مرور السنوات، ولمختلف الأسباب، لم تؤد إلى حدوث تغيير على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلق باستخدام النفط والنسبة التي يحتلها في تركيبة مختلف أنواع الطاقة، لذا تنامى الإحساس بعدم حدوث اختراق يذكر في هذا الجانب. والخلاصة أن الأمور يمكن أن تسير على ما هي عليه، وساعد على ذلك أن سعر برميل النفط ظل طوال عقد الثمانينيات وإلى حد ما مطلع العقد الماضي منخفضا، وهو ما قلل من حالة الدفع باتجاه البحث عن بدائل.
الأرقام المتاحة تساند هذا الرأي إلى حد كبير، فالنسبة التي تحتلها مختلف مصادر الطاقة البديلة تشكل في الوقت الحالي نحو 13 في المائة من إجمالي استهلاك مختلف أنواع الطاقة، بينما النفط لا يزال يحتل نسبة تصل إلى 33 في المائة.
التوقعات المستقبلية وحتى عام 2030 تعطي الطاقة البديلة نسبة نمو طفيفة لا تزيد على 2 في المائة، في الوقت الذي يظل فيه النفط محافظا على نسبة الثلث تقريبا، والغاز على الخمس من إجمالي استهلاك الطاقة، الأمر الذي يرشح كل الجهود المبذولة في ميدان الطاقة البديلة لتصبح إضافة وليست متغيرا أساسيا على المشهد الذي لا تزال تهيمن عليه مصادر الطاقة الأحفورية.
وإذا كان عامل التكلفة من المؤثرات الرئيسية التي تبقي النفط منافسا، إلا أن الرياح الجديدة التي تهب حاملة معها رأيا عاما يمكن أن تسهم في توليد إرادة سياسية هو ما ينبغي للمنتجين أن يعطوه حقه من الاهتمام، لأنه مرشح لإحداث نقلة نوعية لها ما بعدها.

[email protected]

الأكثر قراءة