العلم والرحمة

العلم والرحمة

في سياق قصة موسى والخضر جاء الحديث عن الخضر دون ذكر اسمه الصريح لكنه ذكر بوصف فيه إشارة لما هو عليه من الفضل، فتقرأ قول الله عن موسى وفتاه: ?فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما?. إن الامتياز الذي كان عليه الخضر هو ما آتاه الله من العلم والرحمة، فهذا الجمع بين هذين الوصفين هو الذي يرسم مقام أهل العلم المحققين، فإن العلم إذا تجرد عن الرحمة صاحبه بغي وظلم، وربما صار سلطة تتحرك بها النفوس الجامحة إلى التسلط والعداون، فلا ترى فيه إشراق الرحمة والسعادة والطمأنينة، وإذا فرضت الرحمة وحدها دون أن تنتظم بنظام العلم وقواعده صارت الحقائق محلاً لكثير من العبث وإسقاط الحقوق والحدود.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بالعلم والرحمة وفي وصف الله لما هو عليه مع أمته يأتي قوله: ?فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك?.
إن ثمت رسالة رسمها رسل الله عليهم الصلاة والسلام حين تقرأ قصصهم في القرآن في تحقيق مقامي العلم والرحمة من حيث العناية بضبط حقائق الشريعة والإيمان، ووضوح المبدأ، وظهور المقاصد، هذا من جهة بسط العلم، وترى سعة في احتمال أحوال الأمم، والصبر في شرح مبادئ الرسالة ومقاصدها، وبسطاً للعفو والعدل يحرك النفوس إلى الاستجابة حين تشعر بظلال الرحمة يكتنف لغة الخطاب، وترى في الكتاب المنزل على خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم الإشادة بهذين المقامين وترى أوائل سور القرآن مبتدأة بقوله سبحانه: ?بسم الله الرحمن الرحيم?. فترى هذين الاسمين من أسمائه سبحانه فيهما ذكر لرحمته العامة ورحمته الخاصة للمؤمنين، وهذا الابتداء من حكمته أن يطوق النفوس عن آثار الشر والعدوان، ولهذا جاء الأمر في الكتاب والسنة بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند ابتداء قراءة القرآن، كل هذا تصفية للنفس وتحريك لاستعدادها لقبول الحقائق العلمية وحملها والعدل في تطبيقها.
إن المسلمين اليوم يجب أن تكون العلاقة بينهم تحت هذين المقامين (العلم والرحمة) حتى يمكن أن تقوم علاقة إيمان وإحساس بينهم، وتنطلق رسالة التصحيح بين المسلمين كحق مشروع ومشترك يجب أن يعودوا منه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالطبع فإن أصحاب العلم والرأي مطالبون بتحقيق الجمع بين هذين المقامين العلم والرحمة حتى يمكن أن تتحرك نفوس السواد من المسلمين إلى الفضيلة والخير والإيمان، والاجتماع والوحدة، والله الهادي.

الأكثر قراءة