رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات هل يطرد السكان إلى القرى؟

[email protected]

يشكو الكثيرون من الأسعار الفلكية التي وصلت إليها أسعار الأراضي داخل وخارج المدن وخاصة مدينة الرياض. وارتفاع أسعار الأراضي صاحبه ارتفاع في أسعار مواد البناء وأسعار العمالة (شكراَ للسعودة). مما جعل تكلفة تملك الوحدات السكنية أو إيجاراتها ترتفع بطريقة قد يكون مبالغا فيها. وبذلك فإن المواطن العادي متوسط أو متدني الدخل لن يستطيع البقاء ولن يسمح له دخله بشراء أو استئجار مسكن. فهل هي دعوة لهم للهجرة مرة أخرى إلى القرى التي أتوا منها أو للقرى القريبة من المدن الكبرى. وقد نقول رب ضارة نافعة. فهذه الهجرة العكسية ستساعد على الحد من نمو المدن الكبرى فوق قدراتها وما يسببه ذلك من تفشي الجريمة والأمراض النفسية والتلوث وفقدان الأمن. ومع أننا لا نحبذ هذا النوع من الهجرة بل نأمل أن توضع حلول لمشكلة غلاء المساكن وجعلها في متناول الجميع إلا أنني لا أرى أن هناك جهوداً تبذل في هذا المجال.
وإذا كان هذا هو الحال فلماذا لا نحاول على الأقل توجيه مثل تلك الهجرة العكسية، بحيث نخلق لها بؤرات وتجمعات عمرانية حسب خطة التنمية المتزنة. وتكون مهيأة ومخططه كأحياء متكاملة الخدمات وضواح سكنية وتعطى بعض التميز في أنظمة البناء ومحاولة الرفع من مستوى القرى المحيطة بالمدن وتوفير اقتصادات أساسية مثل نقل بعض الجامعات والمعاهد العلمية والمهنية وفروع "أرمكو السعودية" و"سابك" أو نقل فروع أو وحدات الأمن لوزارات الدفاع والحرس الوطني والداخلية وخاصة سلاح الحدود إلى خارج مدينة الرياض مثلاَ، حيث إنها أساسا كانت ومنذ القدم بعيدة عشرات الأميال خارج المدينة قبل أن يزحف إليها العمران وتصبح داخله. وهي جهات تضاعف من حجم الازدحامات داخل المدن وموظفيها يزيدون من حجم الطلب على المساكن وبذلك فقد تنزل الأسعار.
إن المسافات بين المدينة والقرى المجاورة لها لم تصبح كما كنا نراها في الماضي. فالوقت الذي يستغرقه سكان مدينة الرياض من شمالها في حي الياسمين وببان إلى أحياء طريق الخرج القديم مثل العزيزية والمصانع قد يستغرق وقتا أقل لو شاء السفر إلى قرى منطقة سدير والعكس صحيح لو أراد سكان جنوب الرياض الذهاب إلى شمال المدينة فإن مدينة الخرج أقرب. فالمسافات أصبحت نسبياَ متساوية بين أطراف المدينة أو القرى المجاورة. وأصبحنا مجبرين أو على الأقل يجب أن نفكر في تغير النطاقات العمرانية الحالية فقد نصل إلى الثالث والرابع في فترة قصيرة.
وهذا الموضوع يقودني إلى ما سبق أن طرحته ومازال الجميع يسأل عما تم حيال عدم اتخاذ أية إجراءات حتى الآن للحد من تضخم المدن الكبرى في المملكة والتحول إلى المدن التخصصية بصبغة واحدة، إما إدارية بحته آو صناعية أو مالية أو سياحية.. ولكن يبدو أن تأخرنا في إيجاد الحلول جعلنا نقف مكتوفين أمام المشكلة والآن نجد أنفسنا مجبرين أمام مشكلة غلاء المساكن على الهجرة قسراَ ولم يصبح الأمر بأيدينا. لقد بدأت عوامل أو مشكلات التضخم تلعب بنا وهذا الغلاء قد يضيق الأمل لدى ضعاف النفوس فيتجهون إلى وسائل أخرى غير مشروعة للبحث عن المال وهناك تبدأ مشكلات المدينة التي نخشاها فتنتشر الجريمة والدعارة والمخدرات لا سمح الله.
كما أن الهجرة غير المدروسة إلى المدينة قد تسبب خللا في مستوى الأحياء فتتدهور أحياء وتصبح مهجورة وسكن عمالة وبطالة وجريمة ودون تخطيط سواء وسط المدينة أو على أطرافها. وقد تنتشر الأحياء العشوائية.
لقد انتهت موضة التنافس حول من يملك مدنا وحاضرات كبيرة ومكتظة بالسكان وثبت للجميع ومن تجارب الآخرين أن النمو وتضخم المدن قلما كان مطلباَ حضاريا. وإن التاريخ والنظريات الحديثة في التخطيط تؤكد أن لكل مدينة في العالم حجما وحدودا ملائمة للنمو تتناسب مع مقوماتها ويجب ألا تتعداها. وكل مدينة يجب عليها أن تملك بعض المقومات الاقتصادية أو الطبيعية الدائمة التي تؤمن احتياجات سكانها على مر العصور.
وانتهت صلاحية مشروع حدود النطاق العمراني بعد ملء الأراضي الخالية وسط المدن. فبعد انتهاء مخزون الأراضي داخل المدينة وارتفاع أسعارها عاد الاتجاه إلى العهد السابق والاندفاع إلى البناء خارج حدود النطاق العمراني الثاني والثالث. وهذا التوجه أمر حتمي فالتزايد الطبيعي للسكان يؤكد أنه ستكون هناك حاجة متزايدة للأراضي خارج المدينة وأن هذه المدن إذا ترك لها الأمر ستستمر في النمو لتتخطى حواجز حدود النطاق العمراني ما لم يتم التصدي لهذا النمو ومحاولة تحويل مساره باتزان ليصب في تجمعات حضرية ومدن أخرى.
إن التمهل مطلوب وذلك بإتباع سياسة التنمية المتزنة وإعطاء المدن والقرى الأخرى دورها بجعلها مناطق جذب لتقليل زحف السكان من القرى إلى المدن. ومحاولة المحافظة على حجم معين لكل مدينة بجعلها متميزة أو تخصصية لجذب تخصصات معينة من الاقتصاد والسكان. وذلك عن طريق توزيع القواعد الاقتصادية التي تفرز الوظائف والخدمات لتشجيع الهجرة مرة أخرى للمدن المجاورة نظرية IN Put-outPut Model.
وإن نتوجه إلى ما سبقنا إليه معظم مدن العالم المتقدم من التخطيط لمدن تخصصية كل منها له طابع خاص وشخصية معتبرة تنم عن مستوى حضارة سكانها ومدى تمدنهم وثقافتهم بين مصاف الحضارات الأخرى. فنحن نفتقد مثل هذه المدن والتي في معظمها تكون خاضعة لتخطيط قومي شامل ويتم ترتيب كل مدينة داخل البلاد على أساس تدرج هرمي من المدن الكبيرة إلى المدن الصغيرة والقرى. وتخصص اقتصادي أو سياسي أو صناعي أو تعليمي. ويكون ذلك بنسب متفاوتة بين المدن. وبذلك تضمن الدولة تكامل وتجانس النسيج الحضري وإيجاد اتزان في توزيع السكان والأنشطة وتوزيع الدخل.
قد تكون الأحداث الإرهابية الأخيرة نذير يؤكد ما سبقتنا إليه تجارب غيرنا أن نمو المدن فوق طاقاتها أو ما تملكه من مقومات يعتبر من أكبر وأبرز المشكلات التي تواجه المدن الكبرى في العالم. ولعل هذه الأحداث تكون شاهداً أن النمو الفاحش يفقد الدولة عملية السيطرة على الجريمة كما إنه يؤدي إلى تفكك المجتمع وكثرة الفساد الاجتماعي وقلة فرص العيش وتفشي البطالة والجريمة إلى حدود لا تمكن رجال الأمن من السيطرة على مجريات الأمور والأمثلة على ذلك كثيرة دولياً. ومن هذا المنطلق دأبت تلك الدول إلى إيجاد واستحداث حلول ونظريات تخطيطية مناسبة للحد من نمو المدن العشوائية ومن هذه النظريات تأتي نظرية "مناطق النمو العكسي"Polarization Reversal "وبؤرات النمو خارج المدن" GROWT‎H POLE THEORY، وأبرز مثال طبق لها في العاصمة البرازيلية مدينة برازيليا ومدن الحدائق حول لندن.
إن النمو الحضري والسكاني من أهم المشكلات التي تواجه الشعوب ويجب أن نحاول التحكم فيه قبل أن يلتهمنا. فالنمو يحتاج إلى مقومات وتكاليف أبدية تضمن العيش الشريف للأجيال المقبلة. لذلك فإن ما نسمعه من غلاء الأسعار هو نذير بأننا وصلنا مرحلة الخطر في النمو الفاحش لمدننا الكبرى وخاصة الرياض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي