هل يمر التعليم الصحي بمرحلة انتقالية؟
التخصصية في أداء أي عمل أحد أهم مفاتيح النجاح في أي مجال, ولكن الأهم هو الإعداد الجيد بالتخطيط الشمولي والتنفيذ المتقن والتوظيف الجيد للموارد البشرية. لا شك أن توجه وزارة الصحة حيال إحالة تبعية التعليم الصحي والطبي ليكون تحت مظلة وزارة التعليم العالي تناوله المجتمع بين مؤيد ومعارض. وسواء تفهم المطلع على وضع الوزارة في تنامي مهامها أو نظر إليها من أي زاوية أخرى فبلا شك سينتهي إلى التساؤل عن "كيف يمكن أن يقوم منسوبو الوزارتين بجهود تقود التوجه إلى نجاح يحسب لهما؟". مما لا شك فيه أن من مبررات هذا التوجه معاناة وزارة خدمية من القيام بمهام أكاديمية إضافة إلى مهامها الأساسية, وبالتالي هناك رغبة في إجادة تحسين وتطوير مخرجات المعاهد والكليات الصحية وكلية الطب الجديدة من قبل الجهة المعنية بإدارة شؤون التعليم العالي. طبيعيا يمكن لنا أن نخمن تمحور المبررات الأساسية في التالي: (1) عدم التوافق بين سرعة آلية تمويل وتنفيذ المشاريع التوسعية على مستوى المملكة, (2) نقل مهمة أكاديمية من قطاع خدمي إلى آخر أكاديمي حيث العلاقة والتخصصية. (3) تنامي مشكلة عدم انتظام مكافآت الطلاب شهريا، حيث إن تطبيق لائحة التعليم العالي على وزارة خدمية في موضوع المكافآت يحتاج إلى جهود أكبر من المبذولة حاليا, (4) صعوبة توفير الكوادر المؤهلة عددا وتخصصا في الجهاز المركزي والمعاهد والكليات لاكتمال منظومة العملية التعليمية في الهرم. (5) صعوبة تبني نهج رئاسة الحرس الوطني ومستشفى الملك فيصل التخصصي وبعض المؤسسات الكبيرة في القطاع الخاص بالكامل بعد أن وضح اختلاف مستوى الكفاءات وبيئات العمل ونوعية الحوافز الممنوحة للقوى العاملة في هذه القطاعات.
في الواقع مع أن التوجه في حد ذاته يصب في خدمة الوطن ومحاولة لإعطاء القوس لباريها, إلا أن مثل هذه القرارات الوطنية تحتاج إلى تخطيط استراتيجي وطني للتعليم الصحي بصفة عامة لضمان إنجاحها على كل الأصعدة تنفيذيا, ولئلا تؤثر على المخرجات كموارد بشرية متخصصة وعلى النظام الوطني للخدمة الصحية من حيث مستويات الخدمة. أن محاور مثل: (1) توزيع الموارد المالية وتشعب الإشراف خصوصا أن المعاهد والكليات تنتشر على مستوى المملكة في المرافق الصحية التابعة لوزارة الصحة أو ملحقة بها, (2) سير الدراسة بلوائح وزارة التعليم العالي نفسها التي تعاني من تطبيق لوائحها على الجامعات الحالية, (3) نظام التدريب والتدريس العملي المعتمد على التنسيق على كل المستويات وبشكل يومي ولكل تخصص في كل معهد وكلية, (4) التوسع النوعي المبني على احتياجات سوق العمل وتحقيق تكامل الأنظمة الأخرى مع النظام الصحي في المملكة الذي قد يمتد للتوافق مع سياسات دول مجلس التعاون الخليجي, لهي في أشد الحاجة إلى أن ينظر إليها بعين مجلس الشورى. وما التوجه لهذا المنحى إلا لأن غالبية التوجهات السابقة المماثلة في ظروفها مرت بمراحل انتقالية مازال بعضها يتقلب في هذه المرحلة بعد مرور سنوات طويلة على اتخاذ القرار. يحدونا الأمل في أن نسعى لإنجاح المهمة بتدارك كل ما يمكن توقع حدوثه من سلبيات بتبني الشفافية في التعامل مع طروحات الآخرين ولا نعتقد أن في ذلك استباقا للأحداث أو استعجال لتحليل واقع، ولكن هي مسألة طبيعية تأخذ مكانها عند تحوير أداء مهام أو تعديل مفهوم الإدارة. من الطبيعي أن تتم المطالبة بوضع استراتيجيات وخطط لتنفيذها لا تعدل إلا بموافقة مجلس الشورى على ذلك ويتم رفع ذلك لإقراره من قبل مجلس الوزراء. تتضمن هذه الاستراتيجية تحقيق أهداف القطاعات الصحية كافة في إيجاد حلول وطنية لعلاج نقص الكوادر المتخصصة بمستوياتها المختلفة, ومراجعة أسقف المرتبات عن طريق إعادة النظر في المهام الوظيفية وحركة الكادر لتحقيق تنمية متوازنة في النهاية. من ناحية أخرى اعتماد سياسة طويلة الأمد للابتعاث والتأهيل وإعادة التأهيل ومراجعة الاحتياجات في إعداد الكوادر أو تخصصاتهم سنويا, حيث إن الاستفادة من العنصر النسائي (العاطل أو المعطل) في التخصصات الصحية لا بد أن يحاط باهتمام بالغ من الآن فصاعدا. إضافة إلى ذلك إقرار نظام للجودة يطبق على المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص على السواء دون تمييز لتوحيد مستوى المخرجات وبالتالي توحيد مستوى أداء وتقديم الخدمة في كل المرافق الصحية وحسب مستوى الخدمة الصحية التي تقدمها. من ناحية أخرى سواء تم الاتفاق على بقاء التعليم الصحي تحت مظلة وزارة الصحة أو أصبحت تشرف عليه وزارة التعليم العالي أو تم نقله بالكامل ليتبعها فلا بد من الاهتمام بالموافقة على تخصيص الموارد واعتماد المبالغ المالية بناء على دراسات جدوى مستفيضة لكل المشاريع والبرامج التوسعية, وقد نستفيد من تجارب الآخرين محليا أو خارجيا أفرادا أو مؤسسات, لتحقيق مكاسب تنموية أكثر من تنفيذ قرارات مهمة من هذا النوع.
كلمة أخيرة, إن نجاح مجتمع مفتوح في تطبيق تجربة معينة, قد لا يعني بالضرورة نجاحها لدينا، حيث إن المعايير والمؤشرات تختلف وتتباين وبشكل كبير وذلك لأن مجتمعنا مازال يتعايش مع الانفتاح. والله الموفق.