أهلاً .. "هاليبيرتون" (1 من 2)
قررت شركة هاليبيرتون للخدمات النفطية نقل مركزها الرئيس من هيوستن إلى دبي. على أثر هذا القرار شن عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين حملة شعواء على الشركة، لدرجة أن بعضهم اتهمها بالخيانة. أما على الساحة العربية فلم تكن هناك ردة فعل تذكر على المستوى الرسمي. أما على المستوى الإعلامي فقد نقلت أغلب الصحف العربية الخبر عن الصحافة العالمية، ولم تقم إلا صحيفة واحدة بإجراء تحقيق موسع خاص بها. كما قام كاتب خليجي بالتهجم على الشركة في عموده اليومي، معتمداً على معلومات من أحد كتب الإثارة التي لا تحمل أي وزن سياسي أو أكاديمي، متجاهلاً عدة حقائق تاريخية، ومتجاهلاً ما ذكره الكتاب نفسه عن بعض الدول الخليجية، ومتجاهلاً وجود شركات لها سمعة أسوأ من "هاليبيرتون" في المنطقة، ومتجاهلاً تحالفات "هاليبيرتون" مع الشركات الخليجية ووجودها في المنطقة منذ عشرات السنين.
إن آخر شيء أريده من مقالي هذا هو أن يفهم البعض أنني أدافع عن هذه الشركة. أنا لا أدافع عنها، خاصة أن لديها كادرا ضخما من المحامين والمتخصصين في العلاقات العامة. كل ما أريده من هذا المقال هو بيان بعض الحقائق وتوضيح فكرة مفادها أن انتقال هذه الشركة إلى العالم العربي، رغم ماضي الشركة، أفضل بكثير مما لو بقيت هذه الشركة خارج العالم العربي. إن لوجود مقر الشركة في العالم العربي فوائد سياسية واقتصادية، من هنا جاء عنوان المقال.
أدركت شركة هاليبيرتون أنها شوهت سمعتها بسبب العلاقة بين الشركة التي تملكها KPR والجيش الأمريكي في العراق، فقررت التخلص منها وبيعها مع انتقال مقر الشركة إلى دبي. وهنا لا بد من التنويه إلى أن التشويه لم يأت من علاقتها بالجيش، ولكن من حصولها على عقود مشبوهة، وقيامها بغش الجيش الأمريكي والحكومة العراقية. هذا التفريق مهم لأن بعض العرب يعادون الشركة لمجرد علاقتها بالجيش الأمريكي المحتل.
إن على العرب الذين يعادون وجود مقر هذه الشركة في دبي بسبب تعاون فرعها مع الجيش الأمريكي في العراق أن يتذكروا أن ما ساعد شركة KPR على تنفيذ عقودها مع الجيش الأمريكي والحكومة العراقية هو عقودها مع شركات خليجية، خاصة الكويتية منها، على توريد مواد البناء، والمشتقات النفطية، والمواد الغذائية. لذلك فإنه من غير المنطقي أن نرفض قدوم شركة هاليبيرتون إلى الخليج بسبب دورها في العراق، ونتناسى دور بعض الشركات الخليجية التي قامت بالدور نفسه.
أهمية نقل مقر رئاسة "هاليبيرتون" إلى دبي
فشل الإعلام العربي مرة أخرى في الاستفادة من حدث مهم لخدمة قضية عربية مهمة. ففي الوقت الذي تشن فيه عدة هيئات أمريكية، بما في ذلك البيت الأبيض والكونجرس ومجلس الشيوخ, هجوما عنيفاً على المصدر الرئيس للدخل في الوطن العربي، ومحاولاتهم، بشكل مقصود أو غير مقصود، تحطيم اقتصادات الدول العربية عن طريق إيجاد بدائل للنفط، قررت أكبر شركة أمريكية للخدمات النفطية الانتقال إلى بلد عربي. وهنا علينا ألا ننسى أن توماس فريدمان، الذي تنشر الصحف العربية مقالاته باستمرار، قد طالب الحكومات الغربية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيض أسعار النفط وخنق مصادر الدخل في العالم العربي، لأن الفقر، حسب رأيه، سيؤدي إلى تحولات ديمقراطية في المنطقة.
إن لانتقال مقر "هاليبيرتون" إلى دبي مسوغات اقتصادية مقنعة، ولهذا الانتقال انعكاسات سياسية لصالح العرب، لم يتم إبرازها في الإعلام العربي. قام الديمقراطيون بتسييس الموضوع لسببين، الأول أن ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، كان رئيساً لـ "هاليبيرتون" قبل أن يشغل منصبه الحالي. الثاني أن الانتقال تم إلى بلد عربي. لهذا فإن "تسييس" انتقال "هاليبيرتون" لم يتم إلا في عقول أعداء تشيني، الذين وقعوا في مأزق حرج: لماذا يتباكى هؤلاء على شركة للخدمات النفطية وهم الذين ينادون بإنهاء الاعتماد على النفط ويشجعون على وجود مصادر بديلة؟ أليس من صالحهم التخلص من هذه الشركات؟
فشل الإعلام العربي في الربط بين الموجة الجديدة لفكرة "استقلال الطاقة" وانتقال شركة هاليبيرتون إلى دبي. إن انتقال شركة هاليبيرتون، وتوسع شركات النفط العالمية في المنطقة، يمثل آخر مسمار في نعش فكرة "استقلال الطاقة". إضافة إلى ذلك فإن انتقال الشركة يمثل لطمة لكل من أعلن في السنوات الأخيرة عن بلوغ إنتاج النفط العالمي ذروته، وكل من شكك في احتياطيات دول الخليج، خاصة احتياطيات السعودية.
فشل الإعلام العربي في الاستفادة من الحدث. فالحرب الشعواء التي شنها البعض ضد الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة، ومنع شركة دبي للموانئ من إدارة بعض الموانئ الأمريكية، لن تؤدي إلا إلى رحيل الشركات الأمريكية، وإلى هجرة رأس المال الأمريكي. خسر الإعلام العربي فرصة ذهبية للتركيز على تناقضات بعض المسؤولين الأمريكيين الذين يطلبون من الدول العربية فتح أسواقها لرأس المال والبضائع الأجنبية، في الوقت الذي يحدون فيه من هذه الحركة عن طريق منع انتقال مقر شركة من هيوستن إلى دبي.
بما أن انتقال شركة هاليبيرتون جاء ضمن تحولات كبيرة بدأت منذ عام 2002 تمثلت في توسيع شركات النفط العالمية مكاتبها في المنطقة، وقيام أكبر شركات النشر المتخصصة في الطاقة بنقل مكاتبها إلى دبي، أو بتثبيت صحافيين متخصصين في الطاقة في المنطقة، فمن الواضح أن انتقال "هاليبيرتون" سيعزز من هذا الاتجاه، ويثبت للعالم أجمع أن هناك مناطق آمنة في الشرق الأوسط، وأن هناك مجالا واسعا للاستثمار العالمي في المنطقة.