«كليات الشريعة»

  «كليات الشريعة»

من المعتبر لدى أئمة الأصول والفقه أن ثمة جملة من كليات الأحكام والمقاصد والقواعد والأصول في جملة الشريعة العامة، وهذا المدرك يتصل به ترتيب أحكام الشريعة ومعرفة أصول الأحكام، وحينما تعتبر الأصول الأولى فإن التوحيد والإيمان هو الأصل الأول في اعتبار الشارع، ولكن حينما يقع النظر والاعتبار في دائرة أحكام التشريع الفقهي فإن ثمة جملة من القواعد والمقاصد والأحكام هي كليات هذا الباب، بعضها يرتسم كمقدمة، والبعض الآخر كنتيجة، وهنا جملة من القصد إلى ضرورة العناية بفقه هذه الكليات وكيفية تنزيلها من حيث اتصال الحكم بالمحل، وبناء النتيجة على مقدمات منضبطة، حتى في تسلسل مفصل الأحكام التي سماها جماعة من أهل الفقه والأصول بالفروع، فإنها وإن انتظمت تحت مفصل الأدلة في الجملة فإن من المعتبر لدى الأئمة العارفين بمناطات أحكام الشريعة لزوم اتفاقها مع هذه الكليات المصححة بأدلة علمية منضبطة، وهذا من أخص مقامات الفقيه والعارف بالأصول من حيث ضبط الاتصال بين مادة الأصل والفرع، وثمة فرق مدرك بين عدم لزوم اتصال أعيان الكليات من القواعد بآحاد الفروع وبين منع مخالفتها.
المقصود الأكثر تحت هذا المعنى أن يُعنى الناظر في الشريعة في فقه القواعد والأصول، ولا يتكلف في صناعة الحكم وتوليده من نظر أو قياس غير معتبر، وقد كان الكبار من أئمة الفقه والحديث على اعتبار لهذا المعنى، وترى في طريقة أئمة المحدثين النظر في «علة المتن» ومن معناه مخالفة كليات الشرعية، وإن كان ثمة إدراك أن ثمة اشتراكاً بين «علة المتن وعلة الإسناد» عند التحقيق، ولهذا لا يقع في الأسانيد المنضبطة الصحة مثل هذا، وإن كانت هذه مسألة نزاع بين متأخري أهل الحديث.
وفي الجملة فقد أخبر الله سبحانه عن أصل هذه الشريعة وهو القرآن بقوله: ?أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا?. فكذلك هذه الشرعية لا اختلاف أي: تضاد فيها، وإن كان الاختلاف في الآية لا يختص بمعنى التضاد في كلام أهل المنطق، وإن كان داخلاً فيه، وإن كان يقع في الاجتهاد المنسوب للشريعة شيء من ذلك فهذا من الاجتهاد الذي صاحبه إن أخطأ فله أجر إذا كان أهلاً له، وإنما يراد هنا الارتقاء بفقه الاجتهاد إلى منهج كبار الفقهاء والأئمة حتى يتولد فقه يحفظ كليات الشريعة ويستصحب النظر بفقه في النوازل، والله الهادي.

الأكثر قراءة