ما يجنيه الوطن من تقليل نفاياته يوقف شعر الرأس
هل من حق كل مواطن أن يتبضع ويملأ سلته بما يشاء من أنواع الطعام وبإسراف يزيد على حاجته، ويأكل أو يستعمل منها أقل من ربعها أو نصفها ثم يرمي بالبقية في صندوق النفايات؟ وهل من حق الغني أو الفقير الذي يشتكي من الفقر أن يسرف في حفلات الزواج والأفراح أو المآتم ثم يرمي بنعم الله في الزبالة لتتربى عليها الحشرات والبعوض وتنقل لنا الأمراض. فلماذ لا نؤمن ونطبق ما ينهى عنه ديننا ونبينا من مظاهر الإسراف ولماذا يموت فينا روح الإحساس أو الشعور بالوطنية أو ما يؤدي إليه ذلك من تكاليف وخسائر على الاقتصاد الوطني عوضاَ عن مشاكل التشويه للمدينة ونقل الأمراض والحشرات والبعوض؟
هل فكر أحدنا أننا وبعدد سكان المملكة الذي يقارب 20 مليونا مما يعني وجود نحو 4-5 ملايين عائلة أو منزل (وحدة سكنية). لو فكرو أن يخفضوا من كمية ما يتبضعونه يومياَ بدلا من 20 كيلو جراما إلى 10 كيلو جرامات. لاحتجنا إلى 50 مليون كيلو جرام بدلاَ من 100 مليون كيلو جرام يومياَ. وشهرياَ 3.5 مليار بدلاَ من سبعة مليارات. وسنوياَ 42 مليارا بدلاَ من 84 مليارا. حجم مهول من التوفير والذي إضافة إلى أنه سيوفر جزءا كبيرا من ميزانية الأمانات والبلديات لجمع النفايات، التي تقدر بالمليارات، إلا أن هذه الأرقام على بساطتها حسابياَ تمثل وفرا قد لا نصدقه. فدعونا نتصور تبعات ما نجنيه من ذلك التوفير على جميع المستويات.
أولا لنتخيل عدد السفن والشاحنات والطائرات التي سنوفر تكلفة مبالغ إيجاراتها قادمة لتوريد وشحن هذه البضائع إلى موانئنا (حجم الواردات) أو مراكزنا الحدودية. وتقليل عدد السفن يجعلنا نحتاج إلى موانئ ومطارات أصغر بدلاَ من تكاليف التوسعة. كما أنه يساعد على تقليل عدد العمالة والموظفين في الموانئ والمطارات وعدد موظفي وزارة التجارة ومراقبي وزارة الإعلام والمباحث والتفتيش ومكافحة المخدرات والمعاملات الورقية للبنوك والشحن والتفريغ ومكاتب التعقيب. ولنتصور أيضا كم سيخفف ذلك من عدد الشاحنات التي سنحتاج إليها لتوزيع تلك البضائع. والتي سيخف عددها في الطرق السريعة والشاحنات المتوسطة والصغيرة للتوزيع داخل المدن، مما يقلل الازدحامات والتلوث والحوادث والوفيات وعدد الورش ومحطات الوقود وكمية الوقود الذي تستهلكه تلك الشاحنات. وستقل الحركة على تلك الطرق ولن تتحفر بسرعة مما يكلف في ميزانية الصيانة الدورية لها. وسيقل عدد المستودعات في البلد ومساحات وثلاجات البقالات ومحال الجملة وحراسها وعمالها وسكنهم وما تحتاج إليه من كهرباء للإنارة أو التبريد والفريزرات.
وبحسبة بسيطة فإننا لو قدرنا أو افترضنا أن كل تخفيف في الكيلو جرام الواحد من النفايات يقدر بريالين حسب التحليل التقديري أعلاه وعلى أقل تقدير فإنا نكون قد وفرنا على الاقتصاد مبلغا سيصل إلى 84 مليار ريال سنويا. وهذا بدون احتساب التوفير المباشر لنا كمواطنين من دفع مبالغ أقل عند التخفيف من التبضع لخمسة ملايين عائلة. فلو افترضنا التوفير اليومي لكل عائلة عشرة ريالات فقط أي 50 مليونا يومياَ لسكان المملكة فإنها ستكون 18 مليار ريال سنوياَ. إذا فالمبلغ سيتعدى المائة مليار ريال وهو قريب من ميزانية دولة. وهذه حسبة بسيطة وافتراضية ولكن لو قمنا بدراسة الموضوع من جميع أوجهه وتبعته ومعاملاته التأثيرية لوصلنا إلى أرقام خيالية يقف أمامها شعر رؤوسنا. وهي حسبة بسيطة فقط للإسراف في التبضع للأطعمة فما بالكم بما سنوفره من الإسراف للتبضع في الاحتياجات الأخرى مثل الأثاث والملابس وغيرها. حتما إن التوفير سيكون بمئات المليارات من الريالات.
فمن أحق بذلك الهدر نحن وآباؤنا ووطننا أم أن نرميها في الزبالة ولتعيش عليها الحشرات "ونبحل" بمواقع لدفن تلك النفايات. إضافة إلى مظهرها المسيء لحس وذوق المواطن وما تبعثه من روائح كريهة تساعد على تكاثر الحشرات الناقلة للأمراض المعدية.
إن ما تعنيه تلك الأرقام وما نقصده أن موضوع الإسراف أمر معروف بديهياَ ودينياَ مساوؤه أفلا ننتهي عن ذلك لأجل الوطن ومحاولة تحقيق الحلم الجميل للجميع وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتضافر الجهود لحل هذه المشاكل التي ورثتها بعض عاداتنا السيئة. وفي تصوري أن هذه الحلول سهلة وفي متناول الجميع.
وإذا لم ننته فإنني أرى أننا يجب أن نتدخل لهداية المسرفين بتوقيع غرامات أو جعلهم يشاركون معنا في دفع رسوم لكل زيادة ملحوظة في نفاياتهم. وهو حل موجود عالمياَ في معظم دول العالم، التي تضع حدا معينا من الوزن لنفايات كل منزل وإذا زاد الوزن تم تغريمه بدفع رسوم مضاعفة. وهذه الحلول والغرامات أو الرسوم لم توضع عبثاَ أو لأن دولهم تتمنى معاقبتهم بل إنهم ينظرون إلى عملية حساب بعض الأرقام التي أوضحتها لما فيه المصلحة العامة للدولة ككل والتي ستعود أخيرا على المواطن.
إنها دعوة للتعقل في تصرفاتنا والاتزان في مصروفاتنا وأن نشكر الله على نعمه قبل أن تزول.