الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة .. وضع اليد على الجرح (1 من 2)

[email protected]

استبشرت كغيري من المراقبين بالخطوة الجريئة والنيرة التي اتخذها أخيرا مجلس الوزراء والمتمثلة في إقرار الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ويأتي في مقدمة أهداف هذه الاستراتيجية تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره وتحصين المجتمع ضد مخاطر الفساد. وتبدأ الخطوات من خلال إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية ورصد نتائجها وتقويمها ومراقبتها ووضع برامج وآليات تطبيقها. إضافة إلى قيام الأجهزة الحكومية المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد بممارسة اختصاصاتها وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك وتقليص الإجراءات وتسهيلها والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه وفقا للأنظمة.
إن تلك الخطوة هي إثبات للنهج الإصلاحي الحكيم الذي يتبناه خادم الحرمين الشريفين على جميع المستويات السياسية والاقتصادية، ولعل أهم مؤشرات ذلك النهج هو الاعتراف بوجود المشكلة لان ذلك دليل واضح على النية الصادقة على حلها. وهذا ما عودنا عليه خادم الحرمين من خلال تسليط الضوء على المشكلة ومن ثم اتخاذ قرارات لحلها ومازلنا نذكر مشكلة الفقر كمثال على ذلك التوجه القيادي الرائع لخادم الحرمين.
وإنشاء هيئة الفساد لم تكن وليدة اللحظة، فقد سجل التاريخ كلمة خادم الحرمين الشريفين في حفل افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة لمجلس الشورى يوم الرابع من ربيع الأول 1427هـ الموافق الثاني من نيسان (أبريل) 2006 الماضي، فيما يخص عزمه الجاد على محاربة الفساد بجميع أشكاله، فإن تلك الكلمة وذلك التوجه الحكيم حرر الأقلام وأعطى مساحة أكبر للتساؤل ومساحات أكبر للترقب لمستقبل الفساد الإداري في المملكة. واليوم نرى تطبيق ما ذكرناه سالفا من منهجية خادم الحرمين في معالجة المشكلات.
نعم فخادم الحرمين الشريفين وضع يده على الجرح قبل عام من الآن، واليوم جاء القرار بالعلاج أو البتر للأطراف المريضة التي بلا شك تسبب الكثير من الخطر على باقي أعضاء الجسد. حيث إن أهمية رصد ظاهرة الفساد والاعتراف بأنها تمثل إضرارا بالمصلحة العامة واعتداء على حقوق الدولة وسيادتها وكذلك على مستقبل نمو الوطن والمواطن، يعتبر لب الموضوع. والفساد الإداري بشكل عام يشمل: الرشوة، الاختلاس، التزوير، خيانة الأمانة، والمخالفة والتقصير في الأداء الوظيفي والمحسوبية وغيرها من الأعراض الجانبية لذلك الداء. إن الحديث عن الشفافية فيما يخص الفساد يجرنا حتما إلى مصطلحين آخرين يرتبطان بشكل كبير بالفساد وهما المساءلة والمحاسبة. الفساد الإداري وكما هو معلوم يقوى عند غياب الشفافية، أي أن مصدر قوته في الغموض وعدم الوضوح فالرشوة والسرقة والخداع وغيرها من مظاهر الفساد الإداري لا تتم أمام الأعين وفي وضح النهار وإنما تتم خلف الستار في الظلام ولذلك فإن غياب المساءلة، وانعدام المحاسبة يهيئان الجو المناسب لنمو هذا العفن الإداري.
إن إقرار هيئة مكافحة الفساد سيكون محطة التفتيش الأمنية في كل الطرق التي تؤدي إلى الفساد وستكون تلك الهيئة بمثابة المصفاة للبيئة الإدارية والمالية السعودية من انعكاسات تلك الظاهرة على الاقتصاد والمجتمع، خصوصا أن هذا القرار ينص على المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه. وأتمنى أن تعني هذه الجملة رفع الحصانة عن جميع المفسدين بجميع أشكالهم وألوانهم. وهي بداية بإذن الله لتطبيق القانون على الجميع أيا كانت مناصبهم، وهذا من وجهة نظري هو التحدي الكبير الذي يواجه تلك الهيئة ويواجه تحقيق الفائدة القصوى من إنشائها.
إن هذه الخطوة تعتبر من القرارات التي تدعم توجه الإصلاح وتسهم في سد منافذ الفساد ورفع مستويات الشفافية في مختلف المجالات وتسهم بإذن الله في النمو الاقتصادي والاجتماعي. وسنستعرض الأسبوع المقبل بإذن الله بعض الآليات التي قد تسهم في رفع مستوى الاستفادة من تلك الهيئة مع استعراض لبعض آثارها الاقتصادية والاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي