لمسات حديثة لحفظ الحرف التراثية من الاندثار
أعاد مهرجان جدة التاريخية "كنا كدا"، ذكرى الحرف المهنية التي تمركزت في المنطقة وتوارثتها أسر معروفة عبر الأجيال، وأظهر المهرجان تسلسلها من الجيل الأول إلى الثالث في ممارستها لتلك المهن التي تصدرتها الأحذية والسبح والأختام والنجارة.
جميعهم يعملون في المهنة بالوراثة، مع احتفاظهم بالصناعات الحرفية والآلات والأدوات التي ما زال يستخدمها بعضهم، إضافة إلى بعض التقنيات الحديثة للحفاظ على استمرار المهنة. جميعهم يحكون قصص بدايات الأسر في هذه الحرف إلى بدء تخوفهم من اندثارها على أيدي الأجيال القادمة المرجح أن تتركها، في ظل زيادة متطلبات الحياة التي تلزمهم على مغادرتها. وتركزت مطالبهم جميعا على ضرورة اهتمام البلديات بهذه المهن والمحافظة عليها، مشيرين في أسف إلى أن البلديات هي أول المحاربين لهذه المهن، ولا يوجد أي تقدير أو اهتمام بهذه الفئة، ناهيك عن رفض البلدية إصدار رخص مهنية لبعضهم لعدم وجود مسمى، وتمنوا تخصيص مظلة لجمع الحرفيين بالوراثة ومعاملتهم باعتبارهم أصحاب مهن.
زاكر .. أكبر النجارين
التقت "الاقتصادية" أحد أصحاب هذه الحرف، وهو زاكر النجار البالغ من العمر 79 عاما، وأكبر المشاركين من الحرفيين في المهرجان.. نجار طاف أغلب بيوت المنطقة وساهم في صناعة الرواشين التي تميزت بها المنطقة، عمل في النجارة صبيا من عمر 13 عاما بعد أن أخفق في الدراسة ولم يعد يرغب فيها، فبدأ العمل بالنجارة. يقول: كنت أعمل بريال في اليوم، وبعد أن تعلمت ارتفع إلى ريالين، إلى أن وصل إلى خمسة وكانت تعتبر جيدة جدا، كنت مختصا في الرواشين والباب.. لدي ابن لا يرغب في العمل في النجارة، باعتبارها وظيفة غير مربحة ولا تدر المال، ولكن الآن مع الكبر لا أستطيع العمل كالسابق، المحل ما زال موجودا إلى الآن بكامل العدة ولكن لم يعد أحد يعمل به، فصحتي لا تساعدني لمواصلة العمل، والآن لا يوجد معلمون يعملون في النجارة في البلد، فقد اندثرت المهنة، خاصة مع توافر المنتجات من خارج المملكة، فالصناعة المحلية مكلفة مقارنة بالخارجية".
#2#
العاشق.. من أقدم الأسر في صناعة الأحذية الشرقية
في زاوية لا تتجاوز ثلاثة أمتار في مترين في المنطقة التاريخية في جدة، تحديدا في سوق اليمن القريبة من برحة بيت نصيف، يوجد أقدم محل لصناعة الأحذية الشرقية في جدة عمره أكثر من 64 عاما، والمحل ما زال قائما، يتوارث العمل به من جيل لآخر، متجاهلين ضعف المردود المادي للأعمال الحرفية مقابل غزو المنتجات العالمية الأسواق.
فهمي العاشق (42 سنة) من الجيل الثاني، يمتلك أقدم محل لصناعة الأحذية الشرقية في الغربية، تعلم الصنعة من والده، وهو الوحيد من إخوته الذي يعمل في هذا المجال، لم يخجل من مهنته، بل يعتبرها مهنة لا بد أن تدرس للحفاظ على التراث.. يقول فهمي إن والده بدأ تجارته في سبعينيات القرن الماضي في صناعة الكمرات وحملات الأسلحة، ومن ثم توسعت التجارة لصناعة الأحذية الشرقية التي لقيت رواجا كبيرا تلك الأيام ليتصاعد الطلب والتصدير لباقي مناطق المملكة في الوسطى والغربية والجنوبية.
#3#
ويوضح أن الحذاء الشرقي يعتمد على الجلود الأصلية، وتتراوح أنواع الجلود المستخدمة بحسب القدرة المالية للأشخاص، فجلود الجمل والبقر والخراف يتم استيرادها من باكستان والهند، وهي من أفخر الأنواع المستخدمة، ناهيك عن بعض الزبائن يأتون بجلود للتمساح والثعالب لتزيين الواجهة، وأغلب أنواع الجلود رواجا الجلد البقري فهو سميك، إضافة إلى تمتعه بقدرة على البقاء مدة طويلة، وسعره مناسب، وجلد الجمل فاخر ورقيق وغالي الثمن، ويستخدم في المناسبات الكبيرة، ونقوم بتغيير لون الجلد بمسحها بالزيت.
«حافز» رفع الطلب على الأختام
ولم يكن يعلم فواز النهاري أن "حافز" سيعيد عمل الأختام الشخصية لكبار السن التي بدأت تندثر مع الوقت، باعتبارها ختما مصدقا للأفراد عند الجهات الرسمية البنوك والجهات الحكومية والجمعيات. أسرة النهاري هي الأسرة الوحيدة التي امتهنت صنع الأختام التي تسمى "مهرجي" بضم الميم، توارثتها العائلة من جيل لآخر، فواز النهاري يعتبر من الجيل الثالث، عمل والدة 65 سنة بصناعة المهر، وتبعة فواز 18 عاما، وجدة قبل ذلك.
يقول: نستخدم النحاس الأصفر وهناك من يطلب الأبيض الذي يعد مرتفع السعر، وتبدأ الأسعار من 70 إلى 80 ريالا بحسب الحجم، وأغلب الزبائن كبار السن وقضاة وشيوخ محاكم، يأتون لصنع الأختام خوفا من التزوير، وأشار إلى أنه لا يمكن عمل ختمين بالشكل ذاته، فكل ختم وآخر يختلف؛ لذلك يصعب التزوير في هذه الأختام، وهناك من يفضل أن يقتنيها للذكرى.
سبح السليماني
تركي السليماني يعد من الجيل الرابع لمهنة صناعة السبح، يحتفظ بأدوات متوارثة من أجداده قيمة أحد الصناديق 100 ألف ريال، رفض بيعها للحفاظ على عرق أجداده في صناعة السبح، صنع تركي أكبر مسبحة في العالم وقدمها هدية لخادم الحرمين الشريفين، تحتوي على 33 سبحة من الخشب احتاج إلى أكثر من شهر لصناعتها.