ما الاستخدام الأجدى والأمثل للمشتقات النفطية؟ النافثا مثالا
خلصنا في المقال السابق إلى أن صناعة البتروكيماويات الحالية في المملكة ترتكز تقريباً على الغاز، والحقيقة أنه تم استثمار هذه المادة الاستراتيجية على أكمل وجه، ما بين صناعات بتروكيماوية وكوقود لتوليد الطاقة للمصانع ومحطات التحلية ولإنتاج الكهرباء المدنية. وكما أسلفت في مقال سابق أن استعمال الغاز لإنتاج الكهرباء والطاقة الصناعية أفضل للبيئة من حرق زيت الوقود غير المحبذ بيئيا، أي أن للغاز استخداماته الكثيرة، والطلب الداخلي عليه في تزايد مستمر، وقد لا تستطيع احتياطاتنا الغازية المكتشفة من تلبية النمو في الطلب على الغاز.
ومع النمو السكاني والاقتصادي الصناعي الكبير الذي تشهده بلادنا الحبيبة، فإن الحاجة للطاقة تبدو واضحة أكثر من أي وقت آخر، والضغوط على شركة الكهرباء لا تخفى على أحد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النمو السكاني يحتم النمو الصناعي لإيجاد الوظائف للأجيال وزيادة الدخل الوطني. وكبلد نفطي، فإن الصناعات البتروكيماوية هي الأجدر بأخذ زمام المبادرة في أي توسع وامتداد. وكما هو معلوم أن أي صناعة جديدة يجب أن تقام على دعامتين، أولاً اللقيم وثانيا وجود الطاقة، ما يعني وجود المزيد من الضغوط والاستهلاك للغاز.
لا يخفى على الكثير من المراقبين أن هناك الكثير من عمليات البحث والتنقيب تجري حالياً في المملكة للبحث عن هذه المادة الاستراتيجية، وأعلن عن هذا في مناسبات كثيرة. وفي ظل كل هذه التطورات التي تستلزم الكثير من الجهد والوقت، فإنه من الأجدى نفعاً أن نستخدم ثرواتنا الهائلة من النفط لإنتاج الغازات والمواد الأخرى اللازمة للصناعات البتروكيماوية المستقبلية الخاصة بشركة أرامكو السعودية وغيرها.
إن إقامة المصافي في الجبيل وينبع ستزيد مشتقاتنا النفطية، حيث، كما ذكرت، إن قدرة هاتين المصفاتين نحو 800 ألف برميل يوميا، وهي قدرة هائلة، وحتى مع وجود شريك أجنبي فإنه على أقل تقدير ستزود هاتان المصفاتان المملكة بنحو 400 ألف برميل يومياً من المشتقات النفطية المنتجة داخليا.
ويبقى السؤال ما الاستخدام الأجدى والأمثل لهذه المشتقات؟ أرجو ألا يكون التركيز على الجازولين والديزل وزيت الوقود كمنتجات رئيسية ونهائية، لأن هناك منتجات أخرى أكثر نفعاً اقتصادياً واستراتيجياً.
والحقيقة أن اعتماد الصناعات البتروكيماوية في المملكة على الغاز قد حرمها من الاستفادة من الصناعات البتروكيماوية الأخرى، والتي أساسها مشتقات النفط السائلة مثل النافثا المهذبة، وأكبر دليل على ذلك تأخر ظهور المجمعات العطرية السعودية والتي تعد أساساً لإنتاج مواد غاية في الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية مثل البنزين والزايلين وغيرها، حيث إن إنتاجها الحالي في المملكة لا يكاد يغطي الاستهلاك المحلي عوضاً عن تصديرها.
فلو أخذنا مادة البنزين، الذي يعتبر أحد أهم المركبات الكيماوية في الصناعات البتروكيماوية، نجد أن مصفاة "ساسرف" في الجبيل تنتج نحو 500 ألف طن سنوياً منه (ينتج البنزين في "ساسرف" من النافثا المهذبة)، وتنتج المجموعة السعودية باستعمال تقنية "شيفرون" نحو 500 ألف طن آخر سنوياً من البنزين باستخدام NGL لقيما، فيصبح إنتاجنا من البنزين في حدود مليون طن سنوياً، بينما وصل الإنتاج العالمي لمادة البنزين العطري نحو 26 مليون طن عام 2005م. ويستخدم أكثر هذا البنزين في صناعة البوليسترين (تستخدم هذه المواد كمواد تغليف للأجهزة الكهربائية وفى مواد البناء)، حيث تستهلك شركة صدف قسماً كبيراً منه.
والجدير بالذكر أن حجم إنتاج سابك لمادة البوليسترين عام 2005 بلغ 174 ألف طن (بحسب تقرير سابك النهائي لعام 2005م)، بينما وصل الاستهلاك العالمي لهذه المادة نحو 16 مليون طن عام 2006. وتعتبر الولايات المتحدة أكبر منتج لهذه المادة الاستراتيجية.
ومن المتوقع أن يستمر نمو الطلب العالمي على هذه المادة ومشتقاتها مدفوعة باستمرار نمو الطلب الصيني، والحقيقة أن هذا الطلب هو الذي يتحكم في أسعار البوليسترين العالمية والمشاريع المستقبلية لها. ويكفى أن نعلم أن الاستهلاك الصيني قد زاد بنحو 640 ألف طن في الفترة بين 2000 و2003، أي بنحو 213 ألف طن سنويا، وقد نقص هذا النمو في الفترة بين 2003 و2004م ليبلغ 65 ألف طن، وتنتج الصين نحو 52 في المائة فقط من إجمالي استهلاكها ويتم استيراد الباقي من الخارج.
ما يهمنا هنا أن إنتاج المملكة للمواد البتروكيماوية المعتمدة على المواد العطرية ليس بالرقم الكبير، ولا يشكل أهمية عالمية، بعكس إنتاجنا للمواد البتروكيماوية المعتمدة على الغاز، وتأكيداً لذلك نرى أن "سابك" ثاني أكبر منتج في العالم لمادتي الميثانول وMTBE ورابع أكبر منتج في العالم لمادة الإيثيلين (تقرير شعاع 2005). ومن هنا كان لا بد أن تدعم صناعتنا البتروكيماوية بالمشتقات النفطية كالنافثا لإنتاج المزيد من المواد العطرية، ومن ثم زيادة إنتاجنا من البوليسترين والكيومين والبوليستر وغيره.
وواقع الأمر أنه لا توجد حالياً مجمعات عطرية مختصة في المملكة، حيث تتحول النافثا المهذبة المنتجة في المصافي إلى مادة الزايلين الأساسية لصناعة البوليستر وغيره من الصناعات الأخرى. وعليه فنجد أن "ابن رشد" تنتج سنوياً نحو 400 ألف طن من الزايلين سنوياً فقط، مستخدمة غاز LPG لقيما مقارنة بـ 800 ألف طن سوف تنتجه مصفاة صحار في عمان قريباً.
على أية حال يقدر إنتاج المملكة الكلي من المواد العطرية بـ 1.5 مليون طن سنوياً مستخدمة الغازات والنافثا المهذبة كلقيم، والحقيقة أن كمية الإنتاج هذه لا تليق بمكانة المملكة كأكبر منتج للنفط في العالم. الملاحظ أن إنتاج المملكة لهذه المواد يكاد لا يكفي الاستهلاك المحلي، وهنالك حاجة ملحة لكميات كبيرة من مادة البنزين من أجل تلبية الحاجة للتوسعات المخطط لها عوضاً عن المشاريع البتروكيماوية الجديدة المزمع إقامتها في المملكة.