أسباب أسهمت في ضعف مشاركة القطاع الصحي الخاص

في مقال سابق تطرقت لأهم الأسباب الاستراتيجية التي أدت إلى ضعف الاستثمار في القطاع الصحي الخاص. لا شك أن ضعف الاستثمار في القطاع الصحي الخاص مشاهد على الرغم من زيادة الدعم الحكومي للقرض المخصص للاستثمار في المجال الصحي من 50 إلى 250 مليونا كما أشرت سابقا. كما أن الاستثمار في القطاع الصحي الخاص ظل ضعيفا على الرغم من وجود جهة حكومية من المفترض أنها تشجع الاستثمار الصحي "هيئة الاستثمار". كما أن إجراءات منح الترخيص تمر بسلسلة من الإجراءات البيروقراطية المملة التي تفتقد المرجعية الإدارية. فمثلا تتعدد المرجعيات عند طلب التراخيص اللازمة بين جهات حكومية متعددة كالصحة والعمل والبلديات وغيرها وهي عوامل أسهمت في ضعف البيئة الاستثمارية.
هذه الأسباب وإن اختلفنا حولها ومدى تأثيرها في ضعف البيئة الصحية الاستثمارية لكننا قد نتفق على أن أعداد مقدمي الخدمات الصحية في القطاع الخاص أقل بكثير من الشريحة التي تحصل على رعايتها الصحية عبر القطاع الصحي الخاص. فأحد التقارير الصادرة من وزارة الصحة أوضح أن زيادة الطلب على الخدمات الصحية الخاصة مع بدء تطبيق التأمين الصحي لم تكافئه زيادة في أعداد مقدمي الرعاية الصحية الخاصة. كما أن مفهوم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص لم يتحقق بصورة فعالة في ظل إساءة استخدام القطاع الصحي الخاص للموارد الصحية الحكومية كموارد بشرية من أطباء وغيرهم. فمثلا العديد من مستشفيات القطاع الخاص يعتمد بشكل كبير على الأطباء السعوديين العاملين في القطاع الحكومي على الرغم من وجود تشريعات تمنع ذلك. ولا شك أن تفعيل منع عمل الأطباء العاملين في القطاع الحكومي من العمل في القطاع الخاص سيؤثر بشكل مباشر في عمل القطاع الصحي الخاص القائم وبصورة كبيرة في الأطباء السعوديين العاملين في القطاع الحكومي لكن لديهم عيادات في القطاع الخاص. فنسبة الأطباء السعوديين العاملين في القطاع الخاص أقل من 6 في المائة عام 2011 لكن المشاهد أن أعدادهم أعلى من هذه النسبة بكثير بسبب أن العديد من الأطباء السعوديين العاملين في القطاع العام يعملون في القطاع الخاص عبر ما يعرف بالعيادات المسائية. لذا فتفعيل قرار منع عمل الأطباء العاملين في القطاع الحكومي من العمل في القطاع الخاص سيؤدي إلى إلزام القطاع الخاص بتوظيف كفاءات طبية وزيادة عدد الأطباء العاملين في القطاع الخاص. هذا التفعيل سيسهم أيضا في زيادة نسبة عدد الأطباء وأطباء الأسنان على وجه الخصوص لكل عشرة آلاف نسمة. فمعدل الأطباء للسكان عام 2011 كان 2.4 طبيبا لكل ألف من السكان بما في ذلك الأطباء العاملين في العيادات الخاص. فمن الممكن زيادة هذه النسبة بمجرد استقلالية العمل بين القطاع الخاص والقطاع العام.
كما أن مشاركة القطاع الصحي الخاص في تقديم الرعاية الصحية التخصصية ظلت محدودة. ففي دراسة حديثة حول حصول الرعاية الصحية في السعودية، أوضحت أن حصول الرعاية الصحية الأولية والمتوسطة للعاملين في القطاع الخاص متوافرة لكن العدالة في تلقي الرعاية التخصصية ما زالت ضعيفة. فالمستشفيات التخصصية الحكومية ما زالت هي المقدم الأساسي للرعاية التخصصية مما تسبب في تكدس الطلب عليها في ظل محدودية الاستثمار في الخدمات التخصصية في القطاع الخاص. فمن المؤسف أن الاستثمار في القطاع الصحي لا يميز بين من يستثمر لتقديم رعاية صحية متوسطة أو تخصصية. لذا فإن بعض من لديه تأمين صحي قد يجد صعوبة في تلقي الرعاية الصحية التخصصية بسبب محدوديتها في بعض المناطق والمستشفيات. لذا فإن ردم الفجوة بين زيادة الطلب على الخدمات الصحية في القطاع الخاص يتطلب مزيدا من المحفزات الحقيقية. فمثلا أعتقد أن الوقت قد حان لتشجيع الاستثمارات في القطاع الصحي خصوصا تلك التي تسهم في تفعيل حقيقي لشركة القطاع الصحي الخاص مع القطاع الصحي الحكومي. فدعم الاستثمار الصحي يجب أن يكون نوعيا بحيث يسهم في تقليل اتكالية القطاع الصحي الخاص على القطاع الصحي الحكومي. كما أن دور القطاع الصحي الخاص يجب أن يكون تنافسيا في رفع الجودة الصحية واستقطاب الكفاءات الطبية. وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي