علاقة قوية بين الحوكمة والنمو الاقتصادي في الشرق الأوسط
أظهرت دراسة للبنك الدولي أن هناك علاقة وثيقة بين حوكمة الشركات والحكم الجيد للاقتصاد وبين النمو الاقتصادي وتحسسن مناخ الاستثمار ومستويات الخدمات الاجتماعية المقدمة، حيث تشير البيانات الخاصة ببلدان دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن هذه الدول تأثرت معدلات نموها الاقتصادي ومناخها الاستثماري بضعف الحوكمة والحكم الجيد خلال العقدين الماضيين.
وعلى الرغم من اعتراف الدراسة بصعوبة حصر مفهوم إدارة الحكم الجيد ضمن بضعة مقاييس تجريبية يمكن مقارنتها عبر البلدان المختلفة، فقد بذلت جهود متعددة لتعريف الأبعاد الأساسية لماهية الحكم الجيد. وهي تراوح بين حكم القانون ومحاربة الفساد وفعالية القطاع العام، وصولاً إلى قدرة المواطنين على التعبير والمشاركة. كما أن ندرة المعلومات حول هذه المعايير يصعب مهمة قياس الحكم الجيد بشكل تجريبي.
وعلى الرغم من أن الدراسة شملت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل، إلا أن الدراسة تلاحظ التفاوت بين هذه الدول في تطبيقات الحوكمة والحكم الجيد، حيث إن هناك علاقة وثيقة بين مستوى الدخل ونوعية الحكم في هذه الدول، فترتفع بارتفاع الدخل ـ وهي نمطية عامة تتبدى في كل الدراسات التي أجريت عن إدارة الحكم. وتوضح المؤشرات التي ارتكزت على 22 معيارا أن هذه الدول تتمتع بنوعية لإدارة الحكم توازي ضعف مثيلها في الدول المنخفضة الدخل.
ويقيس المؤشر الأول فعالية وكفاءة البيروقراطية، وحكم القانون، وحماية حقوق الملكية، ومستوى الفساد، ونوعية التنظيمات وآليات المساءلة الداخلية. في هذا المؤشر، توازي دول المنطقة بشكل عام مثيلاتها على مستوى العالم وإن تخافت عنها قليلاً, فرغم بعض الاستثناءات، نجد أن الدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتع بمستوى لإدارة القطاع العام يقل عما يفترضه مستوى دخلها. بمعنى آخر، إنها تقع تحت المتوسط العالمي لمعدل للدخل.
أما المؤشر الثاني وهو مؤشر المساءلة العامة فإنه يقيس مدى انفتاح المؤسسات العامة والشركات، وشفافية المناقصات والقرارات الحكومية وحرية الصحافة. في هذا المجال تتخلف دول المنطقة بشكل أكبر بكثير عن باقي دول العالم, حيث لا توجد دولة واحدة في المنطقة تتجاوز المتوسط العالمي لنوعية المساءلة العامة.
وتتناول الدراسة كذلك تأثير ضعف المكونين الرئيسيين للحوكمة والحكم الجيد على التطورات الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث لم يتجاوز معدل نمو الدخل السنوي للفرد في هذه الدول 0،9 في المائة منذ عام 1980 (لغاية عام 2004)، أي أقل حتى من المعدل في الدول الإفريقية. كما أن الإنتاجية في حالة تراجع منذ ثلاثة عقود. وما يثير القلق أكثر هو تطاير النمو, أي أن ارتفاع الدخل لم تتم المحافظة على استمراريته.
وتلاحظ الدراسة أن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حققت نجاحات ملحوظة في هذا المجال . فقد ارتفعت نسبة التسجيل في المدارس الابتدائية في عمان من 3 في المائة عام 1970 إلى 72 في المائة عام 2005. كما أن هناك أقل من خط هاتفي واحد لكل عشر نسمات عام 1990 ولكن الرقم ارتفع اليوم إلى أكثر من خط لكل خمسة مواطنين.
ومع ذلك، لا يزال هنالك الكثير من الثغرات في الخدمات العامة في المنطقة، خاصة إذا قارنا النتائج التي حققتها دول المنطقة مع الدول التي تماثلها في الدخل. إن معدل وفيات الأطفال في مصر، بالرغم من تحسنه، ما زال يتجاوز ال 69 في الألف عام 2005 وهو معدل أعلى بكثير مما نجد في إندونيسيا (42 في الألف ) وهي دولة لا يتجاوز معدل دخل الفرد فيها نصف معدل دخل الفرد المصري. كما أن اثنين من كل خمسة راشدين في المغرب يعانيان من الأمية وهي نسبة تقارب دول أشد فقراً بكثير كموزنبيق أو باكستان.
إن التحدي الذي يواجه صانعي القرارات والسياسات هو تحفيز ومراقبة هذه الهيئات الخدماتية رفع مستوى خدماتها من خلال تصميم آليات داخلية للرقابة والمساءلة وذلك من أجل توفير المعلومات حول كيفية تأدية هذه الخدمات (الشفافية) ولتحديد عواقب ومكافآت للأداء الجيد والرديء (التنافسية). إضافة لذلك عليهم أن ينموا أخلاقيات الخدمة العامة والأمانة في إدارة الممتلكات العامة – وهى صفات الهيئات الخدماتية الناجمة.
وتخلص الدراسة إلى أن سد الفجوة في إدارة الحكم يشكل تحدياً لحكومات وشعوب المنطقة، لكنه أيضاً يشكل فرصة قد تثمر مكاسب جمة على مستوى النمو الاقتصادي المستقر، الاستقرار الاجتماعي والتنمية البشرية. إن تحدي إدارة الحكم لا يكمن في اختيار القادة " المناسبين " أو في إرساء السياسات الاقتصادية والاجتماعية "المناسبة"، على الرغم من أهمية هذه الأمور. إن التحدي يكمن في ضمان عمليات اختيار ، وتغيير أو تجديد ولاية القادة، ورسم ومناقشة وإرساء وتقرير وتنفيذ السياسات التي تؤمن فرصة العمل والعيش الكريم لجميع الأفراد.