رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التمويل واستغلال السيولة والاقتصاد (1 من 2)

[email protected]

تناولت الصحافة خلال الأيام الماضية خبراً عن حجم الحسابات الجارية في البنوك المحلية والتي وصلت إلى أرقام كبيرة تمثل ميزانيات دول كاملة ودليل إثبات جديد لِحجم السيولة الكبيرة التي تملكها المملكة، وحينها فقط تبادر إلى ذهني الأرباح الكبيرة التي تحققها البنوك وجزء من تحقيقها أتى من خلال تلك السيولة المعطلة في البنوك. فالبنوك هي المستفيدة من جميع التحركات المالية التي يشهدها العرض النقدي في المملكة ومازالت حسابات الأرباح في البنوك هي التي تحمل قفزات كبيرة من سنة إلى أخرى. والسبب بسيط أن تلك البنوك ما زالت بعيدة كل البعد عن الدور الريادي في مسألة مهمة تعتبر مفصلاً حيوياً لكثير من الاقتصادات المتقدمة، وهي مسألة التمويل التجاري الاستثماري.
وخلال نقاش هذا الموضوع مع أحد الأصدقاء من رجال الأعمال الذين يمثلون شريحة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ذكر لي أنه اضطر إلى رهن قطعة الأرض التي يقيم عليها مصنعه لمصلحة أحد البنوك (رهن على طريقة نقل ملكية الأرض لمصلحة البنك!!!) لكي يتمكن من شراء معدات جديدة للمصنع وبنسبة فائدة عالية جدا. والأمثلة كثيرة على أن البنوك مازالت هي المسيطر على سوق التمويل بطريقة (أنا ومن خلفي الطوفان). وإذا كانت إدارات البنوك تملك الحق، حسب النظرية التجارية، في أن تحافظ على حقوق ملاكها ومساهميها بعدم الدخول في نسب مخاطرة عالية، إلا أن هذا لا يعفيها من الدور الحيوي الذي يفترض أن تلعبه.
إن هذا الأمر بالتحديد يحتاج إلى وقفة صادقة لنتعلم من الدرس ولكي نضع مستقبل التمويل على أساس الإضافة الاقتصادية وليس على أساس مدى الربحية التي تجنيها البنوك. والأمر هنا ليس فقط لاستيعاب السيولة بشكل عشوائي، وإنما الاستفادة القصوى من التمويل كونه أحد وسائل الدعم المالي والفني والإداري للمشاريع الناشئة والتي تمثل نواة اقتصادية مهمة في بناء العمود الفقري لأي اقتصاد التي تحمل قيمة مضافة على جميع النواحي منها زيادة الناتج المحلي وتوفير فرص العمل. ولا تقف الفائدة عند هذا الحد إنما تمتد لتوسيع قاعدة كبيرة من الشركات ستظل تحتاج إلى تمويل للتوسع وهو ما سينعكس على أداء القطاع المصرفي لدينا بصفة عامة لتستمر الدائرة ويربح الجميع.
إن القيود الكبيرة والعراقيل التي تضعها البنوك لتمويل القطاع الخاص تمثل حجر عثرة كبير في طريق اتساع رقعة الشركات المتوسطة ونموها وذلك بسبب الشروط الكثيرة والتي لا يستطيع تلبيتها إلا كبار الشركات التي تملك أصولاً ثابتة بقيمة سوقية عالية تقنع البنوك برهنها أو المشاركة فيها بشكل يجعل نسبة المخاطرة لدى البنك المقرض في أضيق حدودها لنجد أن الشركات الكبيرة تكبر وباقي الشركات تنكمش وتضمحل مع مرور الوقت. حتى وإن كانت البنوك كما أسلفنا، تنفذ عملية تجارية يحكمها الربح والخسارة وتضع الكثير للتحوط للأخطار التي يحملها التمويل بصفة عامة وتمويل الشركات بصفه خاصة، إلا أن هذا لا يلغى أن شروط البنوك المحلية في التمويل تمثل عائقاً أمام اتساع الطبقة الوسطى من الاقتصاد وأن البنوك التي تجني أرباحها من هذا الاقتصاد فإنها تتحمل جزءاًُ من المسؤولية في بنائه.
اليوم واقتصادنا يعيش فترة ذهبية وطفرة اقتصادية غير مسبوقة تزامنا مع دخولنا إلى معترك السوق العالمي المفتوح، و في ظل المطالبات الكثيرة بضرورة إيجاد قنوات استثمارية صحية لاستيعاب الحجم الكبير للسيولة الموجود في السوق في ظل هذا النمو الاقتصادي، فإننا في حاجة إلى تقديم حلول مبتكرة و ميسرة من أدوات تمويل تسهم في دعم عصب الاقتصاد وعاموده الفقري المتمثل في المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتساعد بمشيئة الله على بناء مستقبل اقتصادي أكثر استقراراً بما يتناسب مع الخطط الاقتصادية المستقبلية.
وفي مقال الأسبوع المقبل بإذن الله سنتعرف بشكل أكبر على كيفية الاستفادة من الجهود الفردية التي نراها في سبيل تحقيق البعد الاقتصادي لتمويل تلك المنشآت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي