رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المواطن القيمة والمواطن العالة..

[email protected]

تعاني الدول النامية من انفجارات سكانية حيث يولد سنويا أعداد كبيرة من المواطنين ليشكلوا ضغطا كبيرا على الخدمات دون أن يقوم من سبقوهم إلى هذه الحياة بتطوير تلك الخدمات وتوسيعها لتلبي الطلب المتزايد عليها نتيجة الزيادات السكانية الكبيرة (النمو أعلى من التنمية)، مما يجعل الجميع يشعر بالرعب من زيادة مواطنيه باعتبارهم عالة على الدولة التي تسابق الزمن في تطوير وتوسيع الخدمات كما ونوعا دون جدوى، حتى بات المواطن في الكثير من الدول النامية رقما إضافيا في لوائح الفقراء والمحتاجين والعاطلين، بل إن بعض الدول عجزت أن تصدر له وثيقة هوية بشكل تلقائي للتعريف به إلا إذا رغب هو بذلك إذا أراد أن يعمل أو أن يسافر.
وتحتفل الدول المتقدمة - كما احتفلت أمريكا قبل أشهر قليلة بوصول عدد سكانها إلى 300 مليون مواطن - كلما زاد عدد مواطنيها وتبذل الجهود التوعوية والتحفيزية لسكانها للتناسل ذلك أن المواطن لديها قيمة لا عالة كما هو الحال في الدول النامية، نعم إن الدول المتقدمة تعتبر المواطن قيمة اقتصادية باعتباره قادرا على الإنتاج وتحقيق الإيرادات التي سينال الدولة منها الكثير سواء على مستوى نوعية المنتج الذي قد يحقق لها تفوقا نوعيا على الدول الأخرى، أو على مستوى الدخل حيث تقتطع تلك الدول جزءا من دخل المواطن على شكل ضرائب تزداد بازدياد دخله السنوي.
وأعتقد أننا في السعودية رغم ما تنعم به البلاد من إمكانات ومكانة ورغم ما تبذله القيادة في سبيل تحويل المواطن إلى قيمة إلا أن المواطن مازال بشكل عام يعتبر عالة أكثر من كونه قيمة، فهو مواطن مستهلك للخدمات والمنتجات الأساسية والكمالية دون أن ينتجها، بل إنه وصل الأمر بالبعض ليفسر ذلك بأنه هبة من الله لنا كوننا الأقرب إلى الله توحيدا وعبادة فيسر لنا من الموارد الطبيعية التي يحتاج لها الآخر لنأخذ عوضا عنها خدمات وسلعا نتمتع بها، ويا لها من كارثة أن نتصور المشكلة التي نعيشها، المتمثلة بضعف قدرتنا على الإنتاج بأنها تمييز واختيار رباني.
سبعة ملايين وافد تم استقدام نسبة كبيرة منهم للعمل في السعودية في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من الشباب السعودي البطالة التي تهوي به في مهاوي الردى ذلك أن الوافد الذي نستقدمه قيمة قادرة على العطاء والإنتاج بما يحقق له ولمن استقدمه الفائدة بينما نتجنب الشاب السعودي العالة لأنه قادر على الاستهلاك وعاجز عن الإنتاج بل إنه في كثير من الأحيان عاجز عن التقيد بسلوكيات العمل، وللتحايل على قوانين السعودة وتخفيفا للآثار السلبية المترتبة على وجود موظفين سعوديين عالة في المنشأة التجارية قام الكثير من أصحاب الأعمال بتوظيف شباب سعودي وتسريحهم لمنازلهم ليكونوا موظفين تحت الطلب، نعم فحضورهم ضرره أكثر من نفعه.
الكثير من رجال الأعمال الذين ألتقي بهم يقولون إننا نرغب بتوظيف السعودي ونفضله على الوافد لأسباب إنتاجية ووجدانية، فالمواطن المنتج أقدر على فهم البيئة وهو أقرب للقلب وما سيدفع له سيصرف في البلاد مما يخفف من مشكلة خروج الأموال للخارج، التي تتعدى 50 مليار سنويا، ولكن جميعهم يجمعون على ندرة الشاب السعودي القادر على التفكير والإنتاج والالتزام بسلوكيات العمل، بل الكثير منهم يقر بأنه شاب يحمل من القيم والمفاهيم ما يصلح للعيش في المملكة قبل 100 عام من الزمان.
والسؤال الكبير والمهم من الذي جعل الشباب السعودي عالة أكثر من كونهم قيمة؟ لا شك أنها البيئة التي نشأ فيها هؤلاء الشباب، نعم إنه الرحم الثقافي والاجتماعي الذي ولدوا وترعرعوا ونشأوا فيه، فمن أسرة قمعية تمنع التفكير بحجة الاحترام والالتزام إلى مدرسة تمنع التفكير هي الأخرى وتحقن المعلومة بشكل مجرد خارج سياقاتها ( هذه الأسئلة وهذه الأجوبة احفظها) إلى مجتمع يتفاخر بالماضي نسبا وقولا وفعلا، مجتمع يسأل من أين أنت؟ لا من أنت؟ مجتمع يقدر الشاب المفتخر بالرمم ويقصي الشاب المتوثب المنتج بالهمم .
كثير من الأحيان أرى البعض يعرف بشاب سعودي للبعض الآخر بقوله هذا فلان بن فلان، ونادرا ما أسمع أحدا يقول هذا فلان عمله كذا وهو خريج جامعة كذا، وهو صاحب النظرية الفلانية أو هو من استطاع تطوير كذا إلى غير ذلك من الإنجازات الفردية، بل إن الأمر أسوأ من ذلك فكم شاب مبدع منتج ناجح يشكل بذاته ثروة حقيقية للبلاد يحتقر عندما يعرف به الآخرون لأنه من خط كهربائي غير محبذ اجتماعيا!!!
ختاما أقول إن الشاب الذي أنتجته البيئة السعودية المخططة أو غير المخططة ما هو إلا عالة ضحية تلعب دور الجلاد هي الأخرى في طور من أطوار حياتها لتنتج المزيد من العالات الضحايا، وأعتقد أنه آن الأوان لأن تقود الحكومة الحراك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بتفاصيله لإنتاج مواطنين قيمة لا عالة وإلا ستصبح الزيادة السكانية زيادة كمية (لا نوعية) مؤذية تزاحمنا على الخدمات وتضيق علينا عيشتنا جميعا، وهذا ما لا نريده، وبالتالي فعلينا أن نغير الاستراتيجيات الحالية كافة في سبيل إنتاج المواطنين القيمة، الذين يرفعون من كم ونوع الخدمات بما يؤصل لتنمية حقيقية مستدامة تمكننا جميعا من أن نعيش حياة كريمة ترفع هاماتنا بين الأمم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي