ما أرق قلب فرعون!

قصة ــــ أبناء آدم ــــ على الأرض قصة الألم والفرح، قصة النفس الواحدة، والمصير الواحد، والعبور المستعجل إلى الدار الآخرة والخاتمة المؤجلة، هذا كله يجعل الفارق صغيرا جدا بين الجنس البشري.
إلا أن التاريخ والواقع يفرضان علينا التصديق أنه يوجد دائما أسوأ من السيئ وأسوأ من الأسوأ أيضا. ولنتأمل وقائع عبرت بوجعها، ووقائع عبرت تاركة خزيها، وأخرى ظلت بوصفها جريرة أصعب من أن يصدقها ضمير بشر.. إلا أنها حدثت بإرادة واعية وجماعية بالعمد والقصد الواعي لها بكل تفاصيلها. الذي يجعل فرعون مصر ألطف كثيرا من الفراعنة الصغار بعده. وإن لم يقولوا كلمة الكفر العظمى. ''أنا ربكم الأعلى''!
ــــ إما أن تتعاطى الأفيون وإما أن أرديك قتيلا دون رحمة لفقرك ولعجزك عن الدفاع عن نفسك. هذا البغي والطغيان كان الحقيقة التاريخية التي فعلتها بريطانيا العظمى تجاه شعب الصين خلال الأعوام 1839 إلى 1842 في الحرب التي سماها المؤرخون ــــ حرب الأفيون ـــ والتي انتهت بقتل آلاف الصينيين غرقا في المحيط، التي انتهت بتحويل الصين من دولة تعيش في رخاء محاصيلها الزراعية الوفيرة واستقرارها الدائم إلى مجتمع مدمن على الأفيون المكره عليه، وبالتالي ورث الفقر والضعف والعجز المتزايد.
الإنسان الغربي كان يريد من أخيه ''الصيني'' كل شيء، ولا يقنعه ماله، وموارده وزراعته، إذ لو كان كذلك إذا لفرض ضريبة سنوية تفي بالغرض، إلا أنه ابتعد إلى أقاصي الشراسة وانعدام الإنسانية، حيث يجعل أسيره يبحث عن قاتله ــــ الأفيون ــــ ويجعله أسيرا طيلة عمره، وحين يقرر هو منعه من الأفيون سيقتل الضحية نفسه بنفسه؛ لأنه بكل بساطة لا يعي ما يعمل.. ولا يعي عقله ما حوله ولا نفسه. هكذا استجلب الغربي الثراء لنفسه على حساب أهرام هائلة أعظم بكثير من أهرامات الجيزة التي بناها فرعون من الصخور الثقيلة. هذه المرة بنيت من عظام وجماجم الضحايا المغتصبة أرواحهم بتجارة ــــ الأفيون ــــ الذي كان في أول أمره لا يزيد على 200 صندوق سنويا ارتفع إلى 70 ألف صندوق سنويا وبقيمة سنوية تصل إلى 450 مليون دولار فضي حين ذاك عام 1850.
ــــ المؤلم المسكوت عنه أن بريطانيا ظلت في إطار اتفاقية الخضوع والاستسلام المهين والمذل المفروض على الصين. والتي وقعت على السفينة البحرية البريطانية كورفورلولز ـــ مكنت البريطانيين من استباحة الصين وكل موانئها، عمل البريطانيون على استمرار انتقال الأفيون من جيل إلى جيل حتى آخر فلس في جيوبهم أو حتى آخر رجفة وجع ممض من أرواحهم قبل صعودها إلى بارئها. أحسب أن فرعون مصر لم يكن ضميره يمكنه من فعل هذا أو بعضه، لذا هو ألطف كثيرا.. وأرق كثيرا.
ــــ المروع أن هذا الشقاء العظيم لم ينقطع؛ لأن الفراعنة والطغيان من إنسان غرب الأرض لم يتوقف ولم ينقطع ولم يتغير ولم يخف في أقل ما يتمناه المرء تجاه هذه الوحشية والسادية المقيتة. فمن خمس سنوات خلت فقط، ظهرت فضيحة ـــ نساء مرض السرطان المصنع ـــ في الهند، فقد كانت هذه الضحايا من المناطق الأكثر فقرا في الهند، وهناك كانت شركات الأدوية الأوروبية تتعامل معهن بوصفهن كائنا شبه بشري للتجربة الدوائية لأصناف جديدة من حبوب منع الحمل. مقابل دولارين فقط في الشهر. وإن المرأة التي تصاب بالسرطان أو أي مرض آخر.. تعتبر غير صالحة لاستمرار التجارب عليها بعد تعديل العقار، مما يقتضي طردها من فريق التجارب التطبيقية على البشر، الذي يجري بطبيعة الحال بمعرفة مباشرة من وزارة الصحة للدولة المنتجة للدواء، وجميع المراكز العلمية المشرفة على إجازة هذا العقار، وجميعها لا تشعر بالحرج من الأعداد الهائلة من الفقراء الذين سيكابدون الموت طويلا حتى يقضي عليهم في الأخير بما لا عزاء لهم. وإن هذه القصص تتكرر في إندونيسيا والفلبين وإفريقيا. وجزء من الدافع لهذا السفر.. هو التخلص من منظمات حقوق الحيوان في بلدانهم المتحضرة جدا!
ــــ الأسوأ دائما يأتي من الغرب.. والإنسان الفرعون الذي يبني هرمه من جماجم إخوته في الإنسانية يكرر قصة إنسان البقعة المباركة فلسطين، بضروب أكثر وحشية، وأكثر دموية بما لا يقدر عليه قلب فرعون مصر. ولا يستطيع بعضه.
وفي العراق تم استخدام 85 سلاحا جديدا بغرض التجربة فقط، لا بغرض تغيير واقع المعركة أو في إطار أسباب النصر فيها، وبعد سقوط بغداد، أقام فريق متكامل - وحدة الأبحاث الجرثومية والكيميائية - وتم اصطياد آلاف من العراقيين، وتحويلهم إلى ــــ فئران تجارب لتلك المختبرات ــــ بكل أنواعها، والتي أفضت إلى جنون الكثيرين، وإلى موت آخرين وإلى تشوهات دائمة ما زالت مستمرة.
كما تم تطوير عشرات الأنواع من الأفاعي والفئران، حيث تكون مضادة للسموم العادية المتعارفة بعد أن تم نقل عشرات آلاف من بيوض هذه الأفاعي إلى الأراضي العراقية وأنهارها. والآن بدأت ترسل العمى لمن نجا من الموت من سمها الزعاف لمن تنفث عليه نفثة واحدة فقط.
هذا والأرض مستباحة ثروتها ومالها وماؤها وكرامة إنسانها. وما قصة سجن أبو غريب إلا صورة مصغرة لحقيقة حدود الإنسان الفرعون الجديد الذي يجعل فرعون موسى أرق قلبا كثيرا.. وألطف كثيرا جدا.. والقصة طويلة لا تنتهي أبدا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي