من يوقف ارتفاع الأسعار؟
يمثل العرض النقدي أو ما يسمى عرض النقود أحد أهم مفاهيم السيولة، ويمثل إلى حد كبير أحد أهم أسباب التضخم. ولذلك فإن رفع وخفض سعر الفائدة تهدف إلى السيطرة على معدلات التضخم كون السيولة الكبيرة في سوق الأسهم تسبب ارتفاعا في مستويات التضخم وهو بلا شك أثر سلبي كبير في الاقتصاد عموما لأن تأثيرات التجاوزات المصرفية التي تزيد من حجم السيولة عن طريق تجاوز السقوف الائتمانية سواء بالكم أو الكيف تزيد من احتمالية التضخم وتؤدي إلى تدهور سعر العملة المحلية وظهور المضاربات في عروض التجارة وبالتالي التأثير على الخطط الاقتصادية المستقبلية.
هذه المقدمة كانت قد طرحت في مقال سابق عن إشكالية التضخم التي تشهده الأسواق المحلية، وكانت بدايتها مع أسعار الأسهم والتي دفع ثمنها الكثير من المستثمرين وآتت آثارها على أشكال الحياة التجارية والاجتماعية على حد سواء، وكيف أن زيادة السيولة يمثل ثقلا على كاهل الاقتصاد تماما كما تمثله نقص السيولة، فالتوازن النقدي هو حاجة ملحة إلى لاستمرار النمو بشكل مطمئن.
اليوم نرى آثارا جانبية لتلك الطفرة وذلك التضخم، ولكن هذا التضخم الجديد أصبح يلامس جميع الفئات. إن ظاهرة ارتفاع الأسعار التي تشهدها المملكة وخصوصا في المواد الأساسية للحياة أصبح أمرا لا يمكن تجاوزه ولا يمكن التسليم بكونه حدثا اقتصاديا مبررا.
وكما جرت العادة، فإن الأسباب تعددت والنتيجة هي بقاء ارتفاع الأسعار من دون تدخل واضح وصريح لتبرير هذه الارتفاعات. ومن الأسباب التي تم طرحها لتلك الارتفاعات هو أنها قد تكون ردة فعل لزيادة رواتب الموظفين بنسبة 15 في المائة, وآخرون يعزونه إلى قيود الاستقدام مما أثر في الطلب على العمالة المحلية، وبالتالي زيادة رواتبهم وارتفاع تكاليف التشغيل لكثير من تلك المنتجات وبالتالي المستهلك النهائي هو من يدفع الثمن. ومن وجهة نظري الشخصية، فإن الارتفاع قد يكون بسبب التضخم العالمي الناتج عن ارتفاع أسعار النفط يجعل من بلد مستهلك كالمملكة يدفع ثمن هذا التضخم المستورد من خلال ارتفاع قيمة الواردات.
وبغض النظر عن الأسباب فإن الإشكالية التي نعيشها هي نفي هذه الزيادة من الجهات الرقابية على الأسواق وعروض التجارة، وأعنى وزارة التجارة كجهة حكومية من مسؤولياتها ضمان تطبيق سياسة السوق المفتوح وفق معطيات محددة من دون الركون إلى الأسلوب التقليدي في عدم الاعتراف بوجود المشكلة، لا يمكن أن تحجب الشمس بغربال، نحن نرى في حياتنا اليومية أننا أصبحنا ندفع مبالغ أكبر للمنتجات نفسها، بمعنى إن التضخم في الأسعار هو واقع نعيشه بشكل يومي ونجده في ارتفاع مستمر. أن الاستمرار في تجاهل هذا الارتفاع والإصرار على نفيه هو مشكلة في حد ذاتها تستدعي العلاج وتستدعي الكثير من الشفافية، وكذلك فإنها تحتاج إلى التدخل من جميع الجهات ذات العلاقة من ناحية السياسات النقدية وزارة المالية ومؤسسة النقد والجهات ذات الصفة الرقابية وهي الوزارات ذات العلاقة.
فعلى سبيل المثال نعلم أن مؤسسة النقد كمشرع وضابط للتداول النقدي في المملكة أصدرت قرارا يلزم البنوك المحلية بتخفيض نسبة القروض والتسهيلات البنكية التي تمنحها للمستفيدين العاديين ونقصد بهم جميع من لا يمثل منشأة تجارية استثمارية. وإن كان القرار أتى متأخرا إلا أنه يمثل تجربة حية على ضرورة تدخل مؤسسة النقد في السياسات النقدية الداخلية التي من شأنها الإضرار بميزان عرض النقود داخل البلد وعلى آثار التضخم الناتجة عنه.
أتمنى أن نرى تدخلا فعليا لا صحافيا لحل هذه الإشكالية ورفع مستوى الشفافية في مواجهة المشاكل التي تحدث بشكل طبيعي في أي اقتصاد. وإيجاد وسيلة تواصل بين الجهات الحكومية والمستهلكين لأن هذه المشكلة باتت تؤرق الجميع وأصبحت آثارها السلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي تمثل هاجسا للمراقبين.