رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السعودي لا يحب عمله

يقال إن العامل المهمل يسب أدواته، واليوم نسمع الكثير والكثير من الموظفين السعوديين، الذين يشتكون بمرارة من عدم رغبة رجال الأعمال في توظيفهم، بينما رجال الأعمال يشتكون من عدم جدية الموظف السعودي، من المستغرب جدا أن يشتكي صغار رجال الأعمال من تعقيد إجراءات الحصول على قروض تعينهم على البدء في مشاريعهم، ولكن من يلوم إذا كان المشروع لا يكاد يبدأ نشاطه حتى توضع عليه لافتة كبيرة ''للبيع لعدم التفرغ''. نشرت ''الاقتصادية'' في عددها الصادر يوم الأربعاء 21 آب (أغسطس) 2013 ''العدد 7254'' دارسة عن ضعف الانتماء الوظيفي عند السعوديين، ووصلت الدراسة إلى أن خسائر قطاع الأعمال السعودي قد تبلغ 35 مليار ريال سنويا على الأقل، من الجميل أن الدراسة لم تحصر قضية الانتماء الوظيفي في استقالة الموظف عن المؤسسة والانتقال إلى غيرها، بل ركزتها في تدني الإنتاجية وضعف الاهتمام، وهو ما ينعكس على الجودة وكثرة الأخطاء وسوء خدمة العملاء وضياع الفرص وإهمال العمل. فالانتماء الوظيفي، حسب التعريف الذي أوردته الدراسة هو ''رغبة الموظف الذاتية في القيام بكل ما يستطيع، دون توجيه أو مراقبة أو التزام بمهام عمله الأساسية فقط، بهدف تنفيذ العمل على أكمل وجه، وبأعلى جودة لتحقيق رضا العميل''. لقد شملت الدراسة الكثير من المعلومات المهمة جدا وهي تستحق القراءة والاهتمام من أصحاب الشأن لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة.
والحقيقة، فإننا نستشعر هذه الظاهرة في جميع الأعمال الخاصة، والحكومية على وجه الخصوص، لكن من خلال تجاربي الشخصية، فإن هذه الظاهرة تمتد حتى إلى رجل الأعمال السعودي ''برغم صعوبة إطلاق مصطلح رجل أعمال على من لديه هذه المشكلة''، فهناك من يفقد الانتماء للمؤسسة الشخصية، التي بناها بنفسه واقترض من أجلها الكثير من الأموال، لقد لمست هذه الظاهرة بالذات في الدورات التدريبية التي كنت أقوم بتنفيذها لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فصاحب المشروع يبدأ بهمة كبيرة تتناقص على طول المسافة من طرح الفكرة حتى يوم الافتتاح ثم بعد ذلك يبتعد رويدا رويدا عن مشروعه، وأخيرا يقرر تسليمه بالكامل إلى العامل وتأجيره بمبلغ زهيد، وفق نموذج التستر التجاري. لقد استوقفتني هذه الظاهرة كثيرا، فأصحاب المشاريع الصغيرة عادة ما يصابون بنوع من العجلة التي تشعرك بأنك أمام سيل جارف من الحماس للمشروع، حتى إنهم في غمرة ذلك الحماس يتجاهلون الكثير من الخطوات والإجراءات المهمة مثل دراسة الجدوى ومعرفة السوق، ثم يدهشك ما يؤول إليه هذا الحماس بعد بدء المشروع، فيموت الطموح ويصاب الحماس بسكتة وتعلو المشروع عبارة للتقبيل، من الغريب أيضا أن حمى الحماس لا تلبث أن تشتد لمشروع جديد.
هذه الظاهرة الخطيرة جدا والمنتشرة بين جيل الشباب على الأكثر وحسب ما بينته الدراسة المنشورة في ''الاقتصادية''، امتدت حتى إلى الشركات العائلية الكبيرة، فكم من شركات عائلية ضخمة تعرضت إلى الإفلاس أو تعرضت إلى التصفية بسبب عدم رغبة الأبناء أو الأحفاد في الاستمرار في هذه الأعمال، وذلك برغم قدرة الشركة على النجاح والاستمرار، وبرغم أن هذه الشركات قد أسست بنية اقتصادية متينة، كما أن الأبناء عاشوا في كنف هذه الشركات وأكلوا من خيراتها ومع ذلك، فإنهم يفقدون الانتماء إليها بسرعة وتفشل هذه المؤسسات في البقاء بعد رحيل الأب المؤسس، ولقد تعرضت الكثير من المؤسسات الناضجة في عهد الأب المؤسس إلى قضايا كثيرة للبيع والتخلص منها بمجرد وفاته، ما يفقد المجتمع مؤسسة كانت تقدم خدمات مهمة وتوظف الكثير من العمال.
ومن الدراسة أقتبس هذه العبارة الرائعة ''فالانتماء الوظيفي ليست مفاهيم تُدرَّس للموظفين، وليست سلوكا مكتسبا من دورات يحضرونها، ولا يتحقق بمجرد إصدار قرارات، بل هو شعور لدى الموظف ويدفعه للعمل بحماس وإخلاص لزيادة كفاءته وإنتاجيته''، ومرة أخرى أشدد على أن مشكلة الانتماء الوظيفي بهذا المفهوم الواسع لا تنحصر في الموظف، الذي يحصل على راتبه آخر الشهر، بل لقد امتدت حتى إلى أصحاب الأعمال أنفسهم برغم كل ما يتكبدونه من معاناة لإنشاء هذه المؤسسات وما يبذلونه من مال وجهد، وهذه القضية ''قضية الانتماء'' هي سبب من أسباب مشاكل التستر وتشغيل العمالة السائبة وغيرها مما يعانيه الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي