مياه وزارة التجارة ومجاريها
إما أن وزارة التجارة والصناعة لا تعمل بما فيه الكفاية؟ وإما أنها تعمل بما يخيل لها أنه فوق "الكفاية"! وأبعد من هذين السؤالين يمكن أن نقول: إما أنها تعول على أن القانون والنظام يملك وسيلته الذاتية في تطبيق نفسه بنفسه وإنفاذ فعله الساحر في الناس تجارا وعملاء؟ وإما أنها تعتقد أن ما يحدث في طول البلاد وعرضها من إشكالات تتصل بالأنشطة التجارية ليس في صلب اختصاصها وليس من مهامها الأساسية التي من أجلها أوجدت وأنشئت؟
هذه الأسئلة المشتبكة ببعضها ليس المقصود منها نفض جراب وزارة التجارة من الإيجابيات ولا النيل منها كجهاز حكومي خدمي مهمته الحضور في الشوارع، الطرق، القرى، المدن، الحوانيت، الأسواق كل مواقع البيع والشراء والتجارة وكل مؤسسات وشركات المال والأعمال والإنتاج والخدمات.
أقول هذا، وفي الذهن تقدير عمل مسؤولي الوزارة والذي لا ينبغي من جهة أن نغمط حقه ولا أن يراد من الناس من جهة ثانية، أن يعتبروه إنجازا لا بد من إطناب المديح فيه وإجزال الشكر له، فأداء الواجب يستحق الشكر من باب التجمل فقط، وإلا لصارت كل الأعمال والوظائف منة وتفضلا منا على الآخرين وهذا ليس صحيحا البتة!
لذا يحق لنا أن نسأل عن وجود وزارة التجارة والصناعة في مفاصل وسياق مجريات الأعمال والأنشطة التجارية والصناعية والخدمية في بلادنا؟ فالغلاء مثلا ظل (لغزا) يتقافز ببهلوانية في المواد الغذائية والزراعية، وتتصاعد الأسعار حتى بعد دخولنا نادي منظمة التجارة العالمية وتخفيضات الضريبة على نحو 600 سلعة من دون أن تحرك الوزارة ساكنا أو تسكن متحركا غير لجان تعلق الذنب على مجاهيل نقص العمالة وموسم البرد واحتكار بعض العاملين في هذه الأنشطة أو تلك ومخالفات بعض التجار وما إلى ذلك، وكان بإمكانها مثلا أن تتدخل بقوة القانون وتفرض، بيدها لا بيد عمرو، تسعيرات محددة، وتمنع التلاعب والاحتكار في زمن العولمة الأمر الذي سيضطر الجميع إلى الامتثال وعودة الأسعار لوضعها الطبيعي.
وإذا خرجنا من الأزمة الراهنة إلى الأزمات المستحكمة مثل مراقبة التموين والجودة والنوعية والتستر والإغراق والسلع المغشوشة واحتكار الوكالات والشبكات من دون رصيد وحقوق الملكية الفكرية والتدابير الصحية والصحة الزراعية ومرافق التخزين ومواد البناء والدواء والغذاء والتراخيص والتصاريح وتداخل الإجراءات بين وزارة التجارة والجهات ذات العلاقة، وغيرها من مهام ترغي وتزبد بها صحفنا المحلية كل يوم ولا جديد في الأمر، أو تتم الاستجابة مؤقتا تحت ضغط حرج مؤقت، فإن وزارة التجارة والصناعة تبدو في واد وتنفيذ مهامها في وادٍ آخر.. ولو كنا نريد حسما للتمثيل على صدق ما نقول (لا زعمه)، فما علينا سوى الطواف ببقالات ومحال وساحات البيع التي يفترض فيها أن تكون لمواطنين من أهل البلد فيما هي وغيرها واقعة تحت إدارة "لوبيات" عمالات آسيوية، كل جنسية تكاد تختص بالاستحواذ والسيطرة والتحكم في نشاط خاص بها.. فأين.. أين وزارة التجارة - حفظها الله - من بعض ما يحدث وليس كله.. فكله كثير!!
هل تعاني الوزارة من ندرة في قواها البشرية؟ هل تعاني من عوز في الصلاحيات؟ أم أن قواها البشرية وصلاحيتها تعاني من رتابة الأداء وروتين الإجراء؟ ما نظنه هو أن هذه الوزارة تعاني في الواقع مشكلة منهجية في العمل تتمثل في البيت الشعري المشهور:
(تكاثرت الظباء على خراش
فما يدري خراش ما يصيد)
وبلغة الإدارة فـ "الظباء" هنا تعني المهام ومعها خليط اللوائح والأنظمة والسياسات والقوانين والإدارات.. وإنها لوزارة أحوج ما تكون إلى إعادة هيكلة وإلى اللا مركزية في إداراتها.. ولكي تؤدي رسالتها على النحو الذي يرضي أصحاب الأعمال وغيرهم من سائر المواطنين، ولكي تحمي الوطن من العابثين بالتجارة والصناعة وبقطاع الأعمال والخدمات والإنتاج فلا بد أن تبادر وزارة التجارة إلى: "إعادة المجاري إلى مياهها أو إعادة المياه إلى مجاريها".. فالأمر سيان.
وإلا سيظل الناس يترنحون تحت ضغط تضخم الأسعار وفوضى العرض والطلب وإجراءات التراخيص وتصاريح العمل والأنشطة وتحت أمزجة وانتهازية العمالة الأجنبية ومن يتسترون عليهم، وتحت احتكار أهل الوكالات والدواء والغذاء وأفخاخ قطع الغيار والصيانة والغش والإغراق والتخزين والجودة والسلع الرديئة والمقلدة. وغيرها فالهم ذو شجون!!