حاضنة توطين الأعمال الموسمية

لا أخفيكم أن كتابة مقالة لآخر يوم في رمضان مهمة صعبة، وخصوصاً أن الجميع في إجازة ويحاولون الابتعاد عن جميع وسائل الإعلام وما تحتوي والتفرغ للراحة والترفيه والاستمتاع بالحياة الاجتماعية الحميمة إذ غالباً ما تجتمع الأسر في منابعها من محافظات وقرى وهجر، ولكن وبعد تفكير بماذا يناسب هذا الوقت والظرف قررت أن أكتب مقالة خفيفة ذات بعد اقتصادي تتعلق بتوطين الأعمال الموسمية مثل عيد الفطر المبارك أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات.
ولنأخذ عيدي الفطر والأضحى على سبيل المثال وهما عيدان موسميان يتيحان فرص استثمارية أو فرص عمل سريعة وذات مردود مالي عال للشباب لو أنهم استثمروها، ولكن من يستثمرها فعلاً هم الإخوة الوافدون حيث يحتضنون بعضهم بعضاً في غياب العيب الاجتماعي من العمل بالمهن ما يجعلهم يحققون مكاسب مجزية بينما شبابنا يعانون الحاجة فهل فكرت جهة ما حكومية أو مدنية أو أهلية باحتضان الشباب السعوديين الراغبين باستثمار هذه الفرص بعد عرضها عليهم ومن ثم تأهيلهم لاستثمارها؟ الجواب حسب علمي لا.
نعم قد تكون بعض الجهات لعبت دور المنظم والمحفز للشباب السعودي لاستثمار فرص المواسم إلا أنها لم تلعب دور الحاضنة المتعارف عليها، ومن ذلك موسم الحج والعمرة حيث لا تستطيع سيارات الأجرة المرخصة تلبية الطلب الهائل على النقل فماذا لو أن جهة ما تبنت احتضان الشباب السعودي للقيام بهذه المهمة ليفيد ويستفيد.
يروي لي أحد الأصدقاء أنه عندما خرج من الحرم بعد أن أدى العمرة بعد صلاة الفجر وأراد الوصول لسيارته في الحجز وقف له شاب سعودي بسيارة خاصة متهالكة ويقول إنني ركبت معه مجاملة له ورأفة بحاله، مضيفاً أن السيارة كانت مخالفة لكل أسباب السلامة والمتانة وعندما سألت الشاب قال أنا خريج معهد وعاطل عن العمل وأخذ سيارة الوالد عندما ينام لأعمل عليها في المشاوير، ويقول إن الشرط كان بيننا 20 ريالا فلما وصلت أعطيته 200 ريال وقلت له شد حيلك الله يوفقك الذي مثلك يستاهل، ولقد فرح الشاب فرحاً شديداً بهذا الموقف شاكراً ومقدراً.
لاحظ معي في هذه القصة تفاعل المواطن مع أخيه المواطن الشاب الذي يسعى للعمل الشريف الحر في أي ظرف فماذا لو أن مؤسسات معينة ساعدت هذا الشاب لاغتنام هذه المواسم حتى وإن كان موظفاً فبكل تأكيد ما يجنيه من المواسم يدعم موقفه المالي وقدرته على تحقيق العيش الكريم له ولأفراد أسرته.
آخر يقول إن له قريب عاطل عن العمل فلما اقترب موسم مزايين الإبل في أم رقيب ذهب إليه وعرض عليه أن يموله لتجهيز خيمة لبيع معدات البر بجميع أنواعها، وبعد جهد إقناعي وافق قريبه العاطل وأقام هناك وحقق إيرادات مجزية فسدد لقريبه رأس المال وبات من أول المتواجدين هناك في كل موسم مرددا أن موسم مزايين الإبل في أم رقيب فتح عينه على مجالات عمل حر في مواسم أخرى، حيث انتقل للعمل في تأجير معدات التخييم في كثير من المناطق التي يرتادها المتنزهون ويحقق أرباحاً كبيرة، فماذا لو أن جهات معينة تهتم بحضانة الشباب لمثل هذه المواسم.
موسم الصيف والسياحة الصيفية على الشواطئ في الغربية والشرقية، حيث تزدحم الشواطئ بالمتنزهين خصوصا في الليل توفر فرصا استثمارية كثيرة ومربحة لو أن هناك جهة تحتضن الشباب السعودي لاستثمارها في إطار المثل المعروف ''حج وبيع مسابيح''. ولقد وصل حسب علمي تأجير الجت سكي في المواسم أكثر من 500 ريال للساعة الواحدة.
موسم الشتاء والربيع يخرج الأطفال للتنزه مع آبائهم ويرغبون في اللعب بالدبابات والسياكل والكرة وغير ذلك، وهنا تتاح فرص كبيرة لعمل الشباب الموسمي بشكل يومي فما بالك إذا أضفنا حاجة المتنزهين للمأكولات والمشروبات ولوازم البر والتخييم وغير ذلك؟ بكل تأكيد يمكن لأمانات المدن وبلدياتها على سبيل المثال أن تلعب دوراً كبيراً كحاضنات للشباب السعودي بالتعاون مع وزارة العمل وصندوق دعم العمالة الوطنية وغير ذلك من الجهات المعنية بتأهيل وتشغيل الشباب السعودي العاطل عن العمل أو الذي يعمل بوظائف دخلها لا يكفي الحاجة.
النساء السعوديات يمكن أيضاً أن يحقق مكاسب كبيرة في المواسم لو أن الجمعيات الخيرية المعنية بتأهيل وتشغيل النساء وفرت حاضنات لهن لاستثمار المواسم كالصيف، حيث تكثر الزواجات والطلب على خدمات الحفلات والمشاغل والتجميل والأطباق وغير ذلك، وفي المواسم مثل الربيع حيث يزداد الطلب على تراث السدو البدوي لاستخدامه في الخيام لتعزيز أجواء التنزه البرية في بيئة متكاملة ويمكن للنساء هنا إنتاج كميات كبيرة لبيعها في أسعار معقولة وبكل تأكيد سيقبل عليها المواطنون إذا علموا أن هذا إنتاج أيدٍ سعودية تسعى لرزقها بالعمل الشريف والإبداعي.
كلنا نسمع عن حاضنات الأعمال وعن حاضنات التكنولوجيا وغير ذلك من الحضانات، ولكن لم نسمع عن مخرجات هذه الحاضنات ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، وأرجو أن نسمع ذلك بالتفصيل في القريب العاجل.
وأتطلع إلى أن تتحرك الجهات المعنية بمعالجة البطالة لتفعيل فكرة حاضنات الأنشطة الموسمية لتمكين الشباب السعودي من الجنسين من اغتنامها تحت غطاء مقبول اجتماعياً ومحفز ماليا وكلي ثقة ما أن يستشعر هؤلاء الشباب العوائد الكبيرة من وراء هذه الأعمال سينطلقون في المواسم المقبلة دون الحاجة لأي حاضنة والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي