انهيار السوق كشف المستور
منذ بدا الانهيار الفعلي لسوق الأسهم في شباط (فبراير) الماضي، كانت مخرجات ذلك الانهيار تدور بين الخسائر الكبيرة التي مني بها المستثمرون على اختلاف أحجامهم وأحلامهم هي محور الحديث عند طرح ذلك الموضوع للنقاش وتدور الحوارات عن أسباب ذلك الانهيار.
ومع اتفاقنا على أن تلك الخسائر تمثل محور اهتمام المحللين بعد أن عجز المنجمون عن فك شفرة ذلك الانهيار في ظل الانتعاش الاقتصادي غير المسبوق الذي تشهده المملكة، وأصبح الكثيرون في مرمى نيران الاتهامات بالتسبب في ذلك الانهيار لم يسلم منها أحد. ولكن!!
اليوم وبعد أن حال الحول على ذلك الانهيار، وأصبحت ميزانيات الشركات المدرجة قد أكملت عامها المالي في ظل ذلك الانهيار، بدا جليا للجميع مدى هشاشة الكثير من الشركات المدرجة بعد أن تحدثنا كثيرا عن ضرر إدراجها في سوق الأسهم في ظل ما تحققه من تعثر استثماري كبير في أعمالها. جاءت نتائجها المالية عام 2007 لتثبت أن بقاءها في قائمة الأسهم المدرجة هو فقط تحقيقها أرباحا من المضاربة والاستثمار في ذلك السوق بشكل يجعلها تعمل على شكل شركات مضاربة في الأسواق المالية وليس كما هي مسجلة في وزارة التجارة بأنشطه تجارية مختلفة.
إن المتابع لسوق الأسهم يدرك أن هناك خللا في تركيبة الشركات المتداولة من حيث مكررات أرباحها خارج الأرباح غير التشغيلية التي تحققها، واستمر التساؤل عن جدوى وجود تلك الشركات إذا كانت لا تحقق عوائد من نشاطها الفعلي وهي في الوقت نفسه لا تمثل قيمة اقتصادية مضافة. وعلى الرغم من أن هذه الحقيقة ليست وليدة اليوم، إلا أن غض الطرف عن ممارسات كثيرة للكثير من الشركات في السوق جعل بعض الحقائق ومنها عدم نجاح بعض الشركات المدرجة في السوق في تحقيق نمو إيجابي خلال السنوات الماضية، إضافة إلى ما افتقاد مجالس الإدارات الرؤية في بناء مستقبل تلك الأعمال جعل من وجودها في السوق بدل أن يكون تحت المجهر مع الأسف أمرا طبيعياً.
وهنا أعود إلى فائدة الانهيار الوحيدة وهي أنه كشف لنا عن مدى هشاشة تلك الشركات ومدى خطورة المضاربة والاستثمار فيها أو بمثيلاتها، وأعادنا إلى ما كنا نذكره عن مستقبل التداول في سوق الأسهم السعودي في ظل غياب الثقافة الاستثمارية لكثير من المتداولين و في ظل تغليب المصالح الشخصية لمجالس إدارات الشركات على مصلحة الشركات وعليها مصلحة المساهمين.
اليوم ونحن نسمع عن قرارات تستعد وزارة التجارة إلى سنها لتطوير العمل التجاري الاقتصادي في المملكة، ولعل أهم تلك القرارات فيما يخص هذا السياق تخفيض نسب خسائر الشركات من 75 إلى 50 في المائة من رأس المال، وهو بمثابة جرس إنذار نهائي وخطير لمستقبل الكثير من الشركات المدرجة في السوق، وهنا جرس إنذار للمتعاملين في تلك الأسهم بشقيها المضاربي والاستثماري والتي لا شك بدأت تنعكس على بقية أسهم الشركات الخاسرة أو المتعثرة أو التي تختفي تحت عباءة المصالح الشخصية في ظل ارتفاع خسائرها إلى نسب عالية من رأس المال.
من جهة أخرى، فإن الانهيار قد أوضح الحاجة الملحة إلى دراسة متأنية للكثير من القطاعات ذات العلاقة بسوق الأوراق المالية وعن مدى إسهامها في العمل الاقتصادي الذي يجب أن يكون عليه سوق الأسهم في بلد الاقتصاد الأقوى في المنطقة، وأعني بالقول المكاتب المحاسبية التي يجب أن تكون لهيئة سوق المال وقفة صارمة في ظل التلاعب الذي تشهده القوائم المالية لبعض الشركات. وهنا نتمنى أن نرى قرارات تخص المكاتب المحاسبية ومن في محيطها. وهنا نذكر مجدداً فضيحة انرون الأمريكية والمساهمة المحاسبية فيها.
ختاما، فإن المتغيرات المؤقتة في الأسواق المالية لا يمكن أن تلغي بأي حال من الأحوال ثوابت استثمارية مهمة عند الحديث عن سوق أسهم يحمل في طياته انعكاسات اقتصادية مهمة. وتبقى الحاجة إلى مواكبة الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه الدولة عن طريق وضع رقابة على جميع من لهم علاقة بهذا السوق ومستقبل المستثمرين فيه.